الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٦٥
بالعداوة للمسلمين وآخرين من غيرهم مكاتمين بها فلم يكن حمل لفظة دون في الحديث المذكور على معنى أقل، أولى من حملها على معنى غير، فوجب حملها على كلا المعنيين جميعا، وقد تناقض في ذلك أصحابنا، فلم يحملوها إلا على معنى: أقل، فقط.
قال علي: وهذا ترك منهم لقولهم بالعموم، وحمل لفظة دون على معنى غير أولى، لان حملها على معنى غير يقضي في جملته أقل فهو القول بالعموم، لان الأقل من خمسة أوسق هو أيضا غير الخمسة الأوسق، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: فهذه أقسام مفهوم الكلام، وقد جعل قوم قسما رابعا: فقالوا:
وخصوص يراد به العموم.
قال علي: وهذا خطأ، وليس هذا موجودا في اللغة، وسنستوعب الكلام في هذا إن شاء الله تعالى في باب الكلام في القياس، وفي باب دليل الخطاب بحول الله وقوته، فإن اعترضوا علينا بأحاديث وردت في رجال بأعيانهم، ثم صار حكمها عندنا على جميع الناس، فليس ذلك بما ظنوا، ولكن جميع تلك الأحاديث فيها أحكام في أحوال توجب الاخذ بذلك في أنواع تلك الأحوال، اتباعا للفظ الحكم المعلق على المعنى المحكوم فيه، وقد بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليحكم على أهل عصره فقط، لكن على كل من يأتي إلى يوم القيامة، وفي كل ما يحدث من جسم أو عرض إلى انقضاء الدنيا، ولا سبيل إلى أن يبقي عليه حيا إلى أن يلقى كل أحد، فكان حكمه على إنسان في حال ما، حدثت له أو منه، حكما في وقوع تلك الحال كما قلنا.
ويبين ذلك الحديث الذي فيه: هو جبريل أتاكم يعلمكم دينكم أجل بيان وأوضحه، في أن كل خطاب منه صلى الله عليه وسلم لواحد فيما يفتيه به، ويعلمه إياه هو خطاب لجميع أمته إلى يوم القيامة، وتعليم منه عليه السلام لكل من يأتي إلى انقضاء الدنيا، لان ذلك الحديث إنما خرج بلفظ تعليم الواحد في قوله صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه.
ويكفينا من هذا الحديث قوله عليه السلام - أثر جوابه لجبريل عليه السلام - إن هذا الذي ذكر تعليم لهم، فأشار إلى الخطاب المتقدم للواحد، وبين ذلك أيضا
(٣٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 ... » »»
الفهرست