الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٨٣
قال علي: وفي هذا بيان جلي في حمل أوامر الله تعالى وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم على الوجوب، وعلى الظاهر منها، ومن تلك الأوامر أمره تعالى أن يطاع رسوله عليه السلام. وفي قوله عليه السلام المذكور لأبي سعيد، بيان جلي في صحة ما أثبتناه قبل، من استثناء الأقل معاني من الأكثر معاني واستعمال جميع الأوامر، لأنه تعالى قال: * (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم) * وقال تعالى: * (ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) * فخص عليه السلام دون سائر الناس، أن يكلمه المصلون إذا كلمهم، ولا يكون ذلك قاطعا لصلاتهم.
وبهاتين الآيتين والحديث المذكور بطل قول من قال: بأن المصلين يكلمون الامام إذا وهل في صلاته ورام أن يحتج في ذلك بحديث ذي اليدين، فبالنصوص التي ذكرنا أيقنا أن ذلك خاص للنبي صلى الله عليه وسلم دون من سواه، وسبحان من يسر لإخواننا المالكيين، أن يجعلوا الخصوص في هذا المكان عموما، وأن يجعلوا العموم الذي نص عليه السلام على أنه عموم، وغضب على من أراد أن يجعله خصوصا، من القبلة في صيام رمضان، فجعلوه خصوصا كل ذلك بلا دليل وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال أبو محمد: وأما من استجاز أن يكون ورود الوعيد على معنى التهديد، لا على معنى الحقيقة، فقد اضمحلت الشريعة بين يديه، ولعل وعيد الكفار أيضا كذلك، ومن بلغ هذا المبلغ فقد سقط الكلام معه، لأنه يلزمه تجويز ترك الشريعة كلها، إذ لعلها ندب، ولعل كل وعيد ورد إنما هو تهديد، وهذا مع فراقه المعقول خروج عن الاسلام، لأنه تكذيب لله عز وجل، وبالله تعالى التوفيق.
ومما يبين أن أوامر الله تعالى كلها على الفرض حتى يأتي نص أو إجماع، أنه ليس فرضا قوله تعالى: * () *.
قال علي: فعدد الله تعالى في كفر الانسان أنه لم يقض ما أمره به، وكل من حمل الأوامر على غير الفرض واستجاز تركها، فلم يقض ما أمره وفيما ذكرنا كفاية، وبالله تعالى التوفيق.
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»
الفهرست