الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٨٧
قال علي: وهذا خبر على التأبيد، وأمر على التأكيد، لا يجوز أن يدخل فيه نسخ أبدا لنصه عليه السلام، على أن ذلك باق إلى يوم القيامة، فمن أجاز ورود نسخ لهذا، فقد أجاز الكذب من الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أجاز ذلك فهو كافر مشرك حلال الدم والمال، وسبحان من يسر لهؤلاء القوم عكس الحقائق، فيجعلون ما قد جاء النص فيه بأنه خاص عاما، وما جاء فيه النص بأنه عام خاصا، وبالله تعالى نتأيد. وإنما سفك عليه السلام فيها الدماء المباحة، ونهى عن الاقتداء به ذلك جملة، وقولنا في هذا هو قول عبد الله بن عمر وعطاء وغيرهما، وكان عبد الله بن عمر يقول: لو لقيت فيها قاتل عمر، ما ندهته.
قال علي: فما ورد من الأوامر والنواهي على الصفتين المذكورتين فهو فرض أبدا ما لم يرد نص أو إجماع على أنه منسوخ، أو أنه مخصوص، أو أنه ندب، أو أنه بعض الوجوه الخارجة عن الالزام على ما سنفرد لها فصلا في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال علي: وأما صورة الندب، فهو أن يرد اللفظ: أو بمدح الفاعل أو للفعل مثل قول عليه السلام إذ قال: يهلك الناس هذا الحي من قريش ثم قال عليه السلام: لو أن الناس اعتزلوهم فكان هذا ندبا إلى ترك القتال مع المتأولين منهم، ومثل قوله عليه السلام: لو اغتسلتم وإنما أوجبنا غسل الجمعة بحديث آخر فيه لفظ الايجاب، وأما المدح فمثل قوله تعالى: * (وفيه رجال يحبون ان يتطهروا) * فكان ذلك حضا على مثل فعلهم وهو الاستنجاء بالماء، ومثل إخباره صلى الله عليه وسلم:
أن لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة وما أشبه ذلك. فما جاء باللفظ الذي ذكرنا فهو ندب لا إيجاب، يعلم ذلك بصيغة اللغة ومراتبها، علم بضرورة لا يفهم سواه.
قال علي: وأما أمر الإباحة فإنه يراد بلفظ أو مثل قوله تعالى: * (من صيام أو صدقة أو نسك) * ومثل قوله عليه السلام، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا، وأن العجب ليكثر ممن حمل ما روى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»
الفهرست