الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٧٦
التأويل وقال تعالى: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) * وقال تعالى: * (أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * فصح أن لا بيان إلا نص القرآن ونص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قالوا: فإنكم تحملون كثيرا من أوامره تعالى على التخيير والندب، فقد نقضتم هذا الحكم. لهم وبالله تعالى التوفيق: ما فعلنا ما تقولون من النقض، لأننا إنما حملنا منها على التخيير بأمر الله تعالى، حملناه أيضا على وجوبه، فإذا نص ربنا عز وجل في أمر قد أمر به على أننا إن شئنا فعلنا، وإن شئنا تركنا، فقد أوجب علينا قبول هذا النص على ظاهره ضرورة، فلم نخرج عن أصلنا، ولم يكن لنا خيرة في صرفه إلى الوجوب بأحد طرفيه دون الآخر فقط، كما أنه تعالى أو نبيه صلى الله عليه وسلم إذا اقتصر المخاطب لنا منهما على لفظ لا تخيير معه، فلا خيرة لنا في صرفه عن أمره الذي اقتصر عليه، فكل أمر مفرد فواجب علينا حمله على انفراده، وكل أمر بتخيير فواجب علينا حمله على التخيير، فالقبول فرض علينا لما يرد من الألفاظ على ظواهرها، ولا خيرة لنا في شئ من ذلك، والاجماع إذا صح على حمل آية أو خبر على التخيير، فقد أيقنا أن أصل الاجماع توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحملنا ذلك التوقيف أيضا على الوجوب فلم ننقض قولنا بحمد الله تعالى.
قال علي: أفلا يستحي أن يتكلم في الدين من يسمع كلام الله تعالى في قسمة الصدقات يقول: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فرضية من الله) * فيقول: ليس ذلك فريضة، وجائز للامام أن يصرفها إلى ما يرى من وجوه البر، أو إلى بعض هذه الأصناف، ثم يأتي إلى قول ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، صاعا من تمر أو صاعا من شعير، فيقول: ليس صدقة الفطر فريضة، ولا الشعير ولا التمر فيها أيضا فرضا، ولا مستحبا، بل البر الذي لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم أفضل.
ثم يأتي إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ههنا معنا، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد أدرك فقال: لا تخيير في ذلك، والفرض الوقوف ليلا ولا بد، وإلا بطل الحج.
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست