الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٧٥
وقال الله عز وجل: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) قال علي: في هذه الآية بيان جلي رافع لكل شك، في أن من لم يفعل ما أمر به فقد عصى، لأنه تعالى بين أن نبيه صلى الله عليه وسلم إن لم يبلغ كما أمر، فلم يفعل ما أمر به، ولا معنى لهذا الخبر وهذا التقدم، إلا أن خلاف الامر معصية لا موافقة، وبالله تعالى التوفيق وهم يقرون على أنفسهم أنهم لا يفعلون ما أمروا به حتى يأمرهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون فصح أنه لم يرد تعالى منا الاقرار وحده إلا مع العمل بما أمرنا معه. وقال تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمران أن تكون لهم الخيرة من أمر هم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلالا مبينا.
قال على وانبلج الحكم بهذه الآية ولم يبق للشك مجال، لان الندب تخيير، وقد صح أن كل أمر لله ولرسوله ص) فلا اختيار فيه لاحد، وإذا بطل الاختيار فقد لزم الوجوب ضرورة، لان الاختيار إنما هو في الندب والإباحة للذين لنا فيهما الخيرة، إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل، فأبطل الله عز وجل الاختيار في كل أمر يرد من عند نبيه صلى الله عليه وسلم، وثبت بذلك الوجوب والفرض في جميع أوامرهما، ثم لم يدعنا تعالى في شك من القسم الثالث وهو الترك، فقال تعالى : * (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) *.
قال علي: وليس يقابل الامر الوارد إلا بأحد ثلاثة أوجه، لا رابع لها نعلم ذلك بضرورة الطبيعة، وببديهة العقل: إما الوجوب وهو قولنا، وإما الندب والتخيير في فعل أو ترك، وقد أبطل الله عز وجل هذا الوجه في قوله تعالى: * (أن تكون لهم الخيرة من أمرهم) * وأما الترك وهو المعصية فأخبر تعالى أن من فعل ذلك فقد ضل ضلالا مبينا، فارتفع الاشكال جملة، وبطل كل شغب يأتون به.
وقال تعالى: * (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * فنص تعالى على توبيخ من لم يكتف بالتلاوة، وهذا هو الحكم بالظاهر، وحظر الانتقال إلى
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»
الفهرست