الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٧١
فقد عصى الله ورسوله، ومن عصاهما فقد ضل ضلالا بعيدا، واستحق النار، وأن لا يدخل الجنة، بنص كلام الله وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا . قال علي: ولا عصيان أعظم من أن يقول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم افعل - أمرا - كذا فيقول المأمور: لا أفعل إلا إن شئت أن أفعل، ومباح لي أن أترك ما أمرتماني به. أو يقول الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم لا تفعل - أمرا - كذا فيقول أنا أفعل إن شئت أن أفعله، ومباح لي أن أفعل ما نهيتماني عنه.
قال علي: ما يعرف أحد من العصيان غير هذا. والحجة على هؤلاء القوم أبين في العقول بيانا وأقرب مأخذا منها على المشركين، لان المشركين لا يقرون بوجوب طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما الكلام معهم في إثبات ذلك وهؤلاء يقرون بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم يقولون لنا: لا نطيع، وليس الائتمار لهما بواجب إلا بدليل غير نفس أمرهما. نعوذ بالله من الخذلان ومن التمادي على الباطل بعد وضوحه.
واحتج بعضهم بما حدثنا المهلب، عن ابن مناس عن ابن مسرور عن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان الأعمش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر وبطن، وبه إلى ابن وهب أخبرني خالد بن حميد، عن يحيى بن أبي أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القرآن ذلول ذو وجوه، فاتقوا ذله وكثرة وجوهه، وبه إلى ابن وهب، أنبأ مسلمة بن علي، عن هشام، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - فذكر حديثا، وذكر فيه القرآن وفيه: وما منه آية إلا ولها ظهر وبطن، وما فيه حرف إلا وله حد ولكل حد مطلع.
قال علي: هذه كلها مرسلات لا تقوم بها حجة أصلا، ولو صحت لما كان لهم في شئ منها حجة بوجه من الوجوه، لأنه لو كان كما ذكروا لكل آية ظهر وبطن، لكنا لا سبيل لنا إلى علم البطن منها بظن، ولا بقول قائل، لكن ببيان النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله تعالى بأن يبين للناس ما نزل إليهم، فإن أوجدونا
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»
الفهرست