الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٧٠
قال: أبو محمد ويقال لمن قال يعرف أن الامر على الوجوب إذا اقترن به وعيد: اعلم أن الوعيد من الله عز وجل قد اقترن بجميع أوامر نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: فيحذر الذين مخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم فاقترن التحذير من الفتنة والوعيد، بكل من خالف أمره عليه السلام.
قال علي: واعترض بعضهم في ذلك بأن قال: لما صح في أن أوامره عليه السلام، ما لا يصيب مخالفه عذاب أليم، وهو أمر كان معناه الندب، علمنا أن الوعيد المحذر منه إنما هو فيما كان من الأوامر معناه الوجوب فقط، وأن هذه الآية لا توجب كون جميع أوامره فرضا، وإن كان ذلك، فقد بطل أن يكون حجة في حمل الامر على الوجوب.
قال علي: فيقال له وبالله تعالى التوفيق: إن ما خرج من الأوامر عن استحقاق العذاب المنصوص في الآية على تركه، بخروجه إلى معنى الندب، إنما هو مستثنى من جملة ما جاءت الآية به، بمنزلة المنسوخ الخارج عن الوجوب، فلا يبطل ذلك بقاء سائر الشريعة على الاستعمال، وكذلك خروج ما خرج بدليله إلى الندب ليس بمبطل بقاء ما لا دليل على أنه ندب، على استحقاق العذاب على تركه، إلا أن الوعيد قد حصل مقرونا بالأوامر كلها، إلا ما جاء نص أو إجماع متيقن منقول إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا وعيد عليه، لأنه غير واجب ولا يسقط من كلام الله تعالى إلا ما أسقطه وحي له تعالى آخر فقط.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني، ثنا أبو إسحاق البلخي، عن الفربري، عن البخاري، ثنا محمد بن سنان، ثنا فليح ثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.
قال علي: يسأل من قال: إن الأوامر لا تحمل على الوجوب إلا بدليل، ما معنى المعصية، فلا بد له من أن يقول: هي ترك المأمور أن يفعل ما أمره به الآمر، فإذا لا بد من ذلك. فمن استجاز ترك ما أمره به الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم،
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»
الفهرست