الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٧٣
لأعنتكم ولكنه تعالى رفع عنا الحرج ورحمنا، فأمر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كما تسمع، أن ما أمر به عليه السلام فواجب أن يعمل به حيث انتهت الاستطاعة، وأنه لا يسقط من ذلك إلا ما عجزت عنه الاستطاعة فقط، وأن ما نهى عليه السلام عنه فواجب اجتنابه. ثنا عبد الله بن يوسف - بالسند المذكور إلى مسلم - قال: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثنا أبو علي الحنفي، ثنا مالك بن أنس، عن أبي الزبير المكي، أن أبا الطفيل عامر بن وائلة، أخبره أن معاذ بن جبل أخبره، وقال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي قال: فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، العين مثل الشراك تبض بشئ من ماء قال: فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هل مسستما من مائها شيئا. قالا: نعم فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم ذكر باقي الحديث وفيه الآية في نبعان الماء ببركته صلى الله عليه وسلم.
قال علي: فهذان استحقا السب من النبي صلى الله عليه وسلم، لخلافهما نهيه في مس الماء، ولم يكن هناك وعيد متقدم، فثبت أن أمره على الوجوب كله إلا ما خصه نص، ولولا أنهما تركا واجبا ما استحقا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبه إلى مسلم، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، ثنا عبيد الله - هو ابن عمر - عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أخبرني الله تعالى فقال: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وسأزيد على السبعين قال: إنه منا فق، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره قال علي: ففي هذا الحديث بيان كاف في حمل كل شئ على ظاهره، فحمل
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست