الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٧٧
ويقول في قول الله تعالى: * (انفضوا إليها وتركوك قائما) *، إنه يفهم منه أن خطبة الجمعة فرض تبطل الصلاة بتركها.
وأن ذكره تعالى للاعتكاف بعد ذكره لحكم الصيام، موجب أن يكون الصوم في الاعتكاف فرضا لا يجزي الاعتكاف إلا به. أيكون في عكس الحقائق ومجاهرة العقول الفهمة للغة العربية، ومخالفة القرآن والسنة أكثر من هذا؟.
وقال تعالى: * (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا، فان توليتم فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين) *.
قال علي: فهذا لفظ الوعيد بقوله تعالى: * (واحذروا) * مقرونا بمخالفة الطاعة، فأخبرنا تعالى أن ترك الطاعة تول، ولا تركا للطاعة أكثر ممن يستجيز أن يترك ما أمر به أو يفعل ما نهى عنه.
وقال تعالى: * (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) * فصح بالنص كما ترى أن كل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو معروف، وكل ما نهى عنه فهو منكر عن المعروف، فبين تعالى أن كل من نهى عما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منافق، وكل من قال في قوله تعالى افعل. فقال هو لا تفعل إن شئت، فقد أباح تركه والنهي عنه نصا.
وقال تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) وقال تعالى: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) *.
قال علي: ومن أجاز لنفسه ترك العمل بما أنزل الله فهو فاسق ظالم بنص القرآن، وبنص تسمية الله عز وجل له، فقد نصصنا كلام الله تعالى، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم في إيجاب أوامرهما ونواهيهما فرضا، وبطل بذلك قول من قال على الندب أو الوقف.
قال علي: وقد فرق قوم بين أوامر الله عز وجل، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا بين الفساد، فقد أنكر الله تعالى ذلك بقوله: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * إن العجب ليكثر من الحنفيين والمالكيين الذين يجعلون الخطبة يوم الجمعة فرضا، فإذا سئلوا عن البرهان في ذلك قالوا قول الله عز وجل: * (وإذا رأوا
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست