الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٨٢
أجرا واحدا، معذورة في خطئها بالاجتهاد، لأنها لم تتعمد المعصية وقد قال عز وجل: * () * وقال عليه السلام: لكل امرئ ما نوى وكلا الطائفتين نوت الخير وقد نص عليه السلام على أن الحاكم إذا اجتهد فأخطأ فله أجر. وكل متكلم في مسألة شرعية ممن له أن يتكلم على الوجه الذي أمر به من الاستدلال الذي لا يشوبه تقليد ولا هوى، فهو حاكم في تلك المسألة، لأنه موجب فيها حكما، وكل موجب حكما فهو حاكم، وهو داخل في استجلاب الامر بالحديث المذكور.
فإن قال قائل: فلم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائفة المخطئة عندكم بالإعادة، إن كانت هي التي صلت العصر في وقتها المعهود، قبل البلوغ إلى بني قريظة، وإنما كان وقتها عندكم في ذلك اليوم بعد البلوغ إلى بني قريظة - أي وقت بلغ البالغ إليهم - أو لم يعنف الطائفة المؤخرة للعصر إلى بعد نصف الليل إن كانت هي المخطئة على تأخيرهم صلاة فرض عن وقتها؟.
قيل له وبالله تعالى التوفيق: لسنا ندري في أي وقت بلغ خبر الطائفتين المذكورتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل ذلك قد بلغه عليه السلام في اليوم التالي، وبعد خروج وقت العصر جملة، ولا إعادة على تارك صلاة بتأول ممن له أن يتأول على الوجه المحمود لا بتقليد ولا بهوى، ولا إعادة على تارك صلاة عمدا بلا تأول ولا ضرورة حتى يخرج وقتها، وأما المتأول فمعذور ولا يكلف إلا ما علم، وأما العامد فذنبه أجل من أن نأمره نحن بكفارة أو بصلاة لم يأمره الله تعالى بها، ولا يحل لنا ولا لغيرنا تعدي حدود الله عز وجل بأن نلزمه فرضا لم يأذن به الله تعالى، ونسقط عنه بذلك فرضا قد أمره الله تعالى به، ونعوذ بالله تعالى من ذلك، وأمره إلى خالقه لا إلينا، وسيرد على ذي مغفرة واسعة، وذي عقاب أليم، حيث لا يضيع له شئ، ولا يجمع عنده شئ، فعند الموازين يعرف كل امرئ ما له وما عليه، نسأل الله عفوه وغفرانه في ذلك الموقف آمين.
قال علي: وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سعيد بن المعلى إذ ناداه فلم يستجب له - وكان في صلاة - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم يقل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) *.
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست