الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٨٠
فالكلام في الامر الثاني كالكلام في الامر الأول، وهذا لا إلى غاية، فعلى هذا لا يثبت وجوب أمر أبدا.
وقالوا أيضا محتجين عن أهل الوقف: المعصية في اللغة هي مخالفة الامر، والطاعة هو تنفيذ الامر، وقال الله تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) * وقال تعالى: * (وما أرسلنا من رسول ألا ليطاع بإذن الله) * فثبت الوجوب في الأوامر ضرورة، بحكم الله تعالى فالنار على من تركها.
قال علي: ويقال لمن قال بالوقف: ماذا تصنع إن وجدت أوامر واردة من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم خالية من قرينة بالجملة، ولا دليل هناك يدل على أنها فرض، ولا على أنها ندب، فلا بد من أحد ثلاثة أوجه إما أن يقف أبدا، وفي هذا ترك استعمال أوامر الله تعالى، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو نفسه ترك الديانة، أو يحمل ذلك على الندب، فيجمع وجهين، أحدهما: القول بلا دليل، والثاني، استجازة مخالفة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بلا برهان، أو يحمل ذلك على الفرض، وهذا قولنا، وفي ذلك ترك لمذهبه وأخذ بالأوامر فرضا بنفس لفظها دون قرينة، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: فإن تعلقوا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم بني قريظة: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فصلى قوم العصر قبلها وقالوا: لم يرد هنا هنا، وصلاها آخرون بعد العتمة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدة من الطائفتين.
قال علي: هذا حجة لهم فيه أيضا، ولو شغب بهذا الحديث من يرى الحق في القولين المختلفين لكان أدخل في الشغب، مع أنه لا حجة لهم فيه أيضا.
فأما احتجاج من حمل الأوامر على غير الوجوب، فلا حجة لهم فيه، لأنه قد كان تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في وقت العصر أنه مذ يزيد ظل الشئ على مثله إلى أن تصفر الشمس، وأن مؤخرها إلى الصفرة بغير عذر يفعل فعل المنافقين، فاقترن على الصحابة في ذلك اليوم أمران واردان، واجب أن يغلب أحدهما على الآخر ضرورة، فأخذت إحدى الطائفتين بالامر المتقدم، وأخذت
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»
الفهرست