الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٨٦
لان الجزاء بجهنم لا يجوز أن نؤمن نحن به، لان ذلك ليس في وسعنا، وقد أمننا الله من أن يأمرنا بما ليس في وسعنا قال الله عز وجل: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وأما التحرير للرقبة، وتسليم الدية، فبضرورة العقل علمنا أن ذلك من مقدوراتنا ومما لا يفعله الله عز وجل دون توسط فاعل منا، فبهذا يتميز ما كان الخبر معناه الامر، وما كان منه مجردا للخبر في معناه ولفظه.
وقد اعترض قوم من الملحدين علينا في قوله تعالى: * (مقما إبراهيم ومن دخله كان آمنا) * وأرادوا أن يحملوا ذلك على أنه خبر في معناه ولفظه.
قال علي: وهذا خطأ بنص القرآن، وبضرورة المشاهدة، أما نص القرآن، فقوله تعالى: * (لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم) * فارتفع ظن من ظن أن قول الله عز وجل: * (ومن دخله كان آمنا) * خبر وكيف يكون ذلك وقد أمر تعالى بقتل من قاتلنا فيه وعنده. وأما ضرورة المشاهدة، فما قد تيقناه مما وقع فيه من القتل مرة بعد مرة، على يدي الحصين بن نمير، والحجاج بن يوسف، وابن الأفطس العلوي، وإخوانهم القرامطة، والله تعالى لا يقول إلا حقا، فصح أن معنى قوله تعالى: * (ومن دخله كان آمنا) * إنما هو أمر بالبرهانين الضروريين اللذين قدمنا.
وكذلك نقول: إنه لا يحل أن يقام في شئ من الحرم حد على أحد، بوجه من الوجوه، ولا بسجن، ولا تعزير ولا قطع، ولا جلد، ولا قصاص، ولا رجم، ولا قتل، لا في ردة، ولا في زنى، ولا في غير ذلك. حاشا من قاتلنا فيه فقط على نص القرآن، وبهذا جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما من أجاز أن يخالف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويقتدي بعمرو بن سعيد، ويزيد، والحجاج، والحصين بن نمير، فيقيم فيه الحدود ويقتل فيه من استحق القتل عنده في غيره، فليفكر فيما يلزمه من تكذيب ربه، وله ما اختار من اتباع من اتبع، وخلاف الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليتخلص من السؤال الذي ذكرناه آنفا، ولو قدر على ذلك لما قدر على التخلص من عصيان نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: إنها إنما أحلت لي ساعة من نهار ولم تحل لكم ثم عادت كحرمتها بالأمس إلى يوم القيامة لا يسفك فيها دم وبين عليه السلام بنص كلامه، أنه ليس لأحد أن يترخص في ذلك لأجل قتاله عليه السلام، ونص على أن ذلك خاص له.
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست