الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٩٧
بذلك، إلا إذا قام إلى الصلاة فقط، فمتى أراد صلاة تطوع أو صلاة فرض فهو قائم إلى الصلاة، ولم يخص تعالى بذلك القيام إلى الصلاة فرض دون القيام إلى صلاة تطوع، فله حينئذ أن يغتسل ويتوضأ، فإذا أتمها فله أن يؤخر التطوع ما شاء، وله تأخير الفرض بمقدار ما يدركها مع الامام، أو كان ممن عليه فرض حضورها في الجماعة، أو إلى آخر وقتها، إن كان ممن لا يلزمه فرض حضورها في جماعة، ثم لا يحل له تأخيرها أصلا أكثر.
وأما من لا يريد صلاة، ولا يمكنه صلاة، كالحائض إثر الجماع، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه طاف على جميع نسائه، واغتسل بين كل اثنتين منهن، فصح بهذا النص أن الغسل جائز تعجيله، وإن لم يرد الصلاة بعده، وبالله تعالى نتأيد فلما أبيح لنا ذلك كان المفرق والمتابع يقع على فعلهما اسم وضوء وغسل على السواء وقوعا مستويا، وكان في غسله عضوا من أعضائه بنية ما أبيح له من تعجله، مؤديا لفرض غسل ذلك العضو، ولكل عضو حكمه فمن فرق غسله أو وضوءه ما لم يقم إلى الصلاة فلم يترك مسارعة أمر بها حتى إذا أراد القيام إلى الصلاة، إما مع الامام، وإما في آخر وقتها، ففرض عليه المسارعة إلى إتمام وضوئه وغسله.
وكذلك قلنا في قضاء رمضان: إنه إنما أمر تعالى بأيام أخر، ولم يشترط فيها المتابعة، فمن بادر إلى صيامها فقد أدى فرض الصوم وفرض البدار، ومن لم يبادر وصام فقد أدى فرض الصوم، وعصى في ترك فرض المسارعة.
وكذلك نقول فيمن لم يعجل تأدية زكاته في أول أوقات وجوبها، وفيمن أخر الحج عن أول أوقات الامكان، أنه إن حج وزكى بعد ذلك فقد أدى فرض الزكاة والحج، وعليه إثم المعصية بترك المسارعة، لا يسقط ذلك الاثم عنه أداء ما أدى من ذلك إلا في الموازنة يوم القيامة، يوم وجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا.
قال علي: ومما يوجب أيضا فرض المبادرة إلى الطاعة، قول الله تعالى: * (والسابقون السابقون ئ أولئك المقربون) * وقد قال عليه السلام: لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله تعالى أو كلاما هذا معناه، هذا وإن كان إنما أوجب أن يقول عليه السلام تأخر قوم عن الصف الأول لبعض الامر المكروه، فهو محمول على ظاهره ومقتضى لفظه على ما قد أثبتنا وجوبه في الفصل الذي قبل هذا
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»
الفهرست