الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٠٢
ابن عباس، فإنه يجيز أداء الصلاة قبل دخول وقتها، وصلاة الظهر قبل زوال الشمس، ولا فرق في ديون الناس بين أدائها بعد وقتها وحلول أجلها، وبين أدائها قبل وقتها وحلول أجلها فليقولوا كذلك في جميع شرائع الله تعالى.
قال علي: وبطلان هذا القياس سهل، فلو كان القياس حقا لكان في هذا المكان باطلا بحتا، بحول الله وقوته، فنقول وبالله تعالى التوفيق: إن ديون الناس التي إلى أجل، لا يجوز لاحد أداؤها قبل حلول أوقاتها، ولا تأخيرها عن حلول أوقاتها إلا بإذن الذين لهم الديون ورضاهم، ولا خلاف في ذلك جملة، ولكن تناقض من تناقض في بعض ذلك، ولا خلاف في أن من كان له على أحد ثلاثة ديون من ثلاث معاملات، وكلها إلى آجال محددة، فأذن الذي له الدين في تعجيل أحد تلك الديون بعينه قبل الاجل، ورضي بذلك الغريم ثم أذن في تأخير آخر من تلك الديون بعينه بعد حلول أجله، فليس ذلك بموجب جواز تعجيل الدين الذي لم يأذن بتعجيله، ولا بمجيز تأخيره عن أجله هذا ما لا خلاف بين اثنين فيه، فإذا لم يكن إذن الناس فيما أذنوا فيه من تعجيل ديونهم أو تأجيلها، موجبا أن يقاس ما سكتوا عنه من سائر ديونهم على ما أذنوا فيه من تعجيل ديونهم، فذلك أبعد من أن تقاس ديون الله تعالى التي لم يأذن في تأجيلها، ولا في تعجيلها على ما أذن الناس فيه من تعجيل ديونهم وتأجيلها.
قال علي: وهذا ما لا خفاء به على من له مسكة عقل، وأيضا فلا خلاف بين اثنين في أن من له دين فأسقطه البتة، ورضي الغريم بذلك، فإن ذلك الدين ساقط، فيلزمهم إذا أجازوا تأخير ديون الله تعالى عن أوقاتها، وتعجيل بعضها عن أوقاتها - وإن لم يأذن الله تعالى في ذلك - قياسا على جواز تأخير ديون الناس، وجواز تعجيلها إذا أذنوا في ذلك - بأن يجيزوا سقوط ديون الله تعالى بالبتة، وإن لم يأذن الله تعالى في ذلك، قياسا على سقوط ديون الناس بالبتة - إذا أذنوا في ذلك - وهذا أصح قياس وأشبه بقياسهم الذين حكوا، لو كان القياس حقا، والقياس بحمد الله تعالى باطل محض.
قال علي: وأيضا فإن الزكوات والكفارات بالصدقات، وإن كان الله تعالى قد جعلها للمساكين، فليست من حكم ديون الناس في ورد ولا صدر، لان ديون
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»
الفهرست