الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٣٠٥
ومن أمر بعمله فقد شرع شريعة لم يأذن بها الله تعالى، بل قد نهى عنها، إذ نهى عن تعدي حدوده.
ولا يشك ذو حس أن صوم غد هو غير صوم اليوم، فمن أمره الله بصيام اليوم فأفطر عامدا للمعصية، ثم صام غدا، فإنما صام يوما لم يأمره الله تعالى بصيامه، فلا يكون ذلك قاضيا ما أمر به، ولا يؤدي أحد ما أمر به إلا كما أمر به، لا كما نهى، ولا فرق بين هذا وبين ما أمره الله تعالى بحركة إلى مكان ما، كالحج إلى مكة في ذي الحجة، فحج هو إلى المدينة في ذي القعدة فأي فرق بين هذا وبين من أمر بصيام في رمضان، فصام هو في شوال؟ أو بصلاة ما بين زوال الشمس إلى زيادة الظل على مثل من يوم بعينه، فصلاها هو في وقت آخر من يوم آخر، وأي فرق بين هذا وبين من أمر أن يفعل فعلا في عين ما كنفقة على زوجة له مباح له وطؤها، ففعل هو ذلك الفعل في غير تلك المرأة، فهل هذا كله إلا غير الذي أمر به، وكل ذلك باب واحد، وطريق واحدة يجمعه كلها جمعا مستويا قوله تعالى: * (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها) * وقوله عليه السلام: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وأي فرق بين تعلق الامر بالأزمان وبين تعلقه بالأعيان أو بمكان دون مكان؟.
فإن قالوا: إنا قد وجدنا أوامر معلقة بزمان ينوب عنها تأدية ذلك العمل في زمان آخر. قيل له وبالله التوفيق: إذا جاء بذلك نص أو إجماع فقد علمنا أن الله عز وجل مد ذلك الوقت، وعلق ذلك الامر، بذلك الزمان الثاني، وجعله وقتا له، ونحن لا ننكر هذا، بل نقر به إذا أمرنا به، لا إذا نهينا عنه، وقد جاء مثل ذلك في الأمكنة، كمن نذر صلاة في بيت المقدس، فإنه إن صلى بمكة أجزأه للنص في ذلك، ولا يجزي ذلك فيما لم يرد فيه نص، وكذلك من مات وعليه صيام لزم وليه أن يصوم عنه، للامر الوارد في ذلك، وكذلك من لم يحج أحج عنه من رأس ماله للنصوص الواردة في كل ذلك.
فإن قالوا لنا: ما تقولون في الصلاة المنسية؟ أو التي ينام عنها؟ أكل وقت لها وقت؟ قيل له، وبالله تعالى التوفيق: نعم كل وقت لها، ومتى ما صلاها
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»
الفهرست