الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٩٥
دون تأخر ولا تردد، وقد شغب بعض المخالفين فقال: ليس في قوله تعالى:
* (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم في أن الأوامر واجب البدار إليها، لأنه تعالى أمرنا بالمسارعة إلى المغفرة لا إلى الفعل.
قال علي: وهذا مما يسر فيه هؤلاء القوم لعكس الحقائق، وقد أيقنا بقوله تعالى: * (هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) * أن أحدا لا يؤتى المغفرة إلا بعمل صالح يقتضي له وعد الله تعالى بالرحمة والمغفرة، وعلمنا ذلك يقينا أن مراد الله تعالى بقوله: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * إنما هو سارعوا إلى الأعمال الموجبة للمغفرة من ربكم إذ لا سبيل إلى المسارعة إلى المغفرة إلا بذلك، وهذا من الحذف الذي دلت عليه الحال، وإنما قلنا هذا لوجهين: أحدهما: النص الجلي الوارد في أنه لا يجزي أحد بمغفرة ولا غيرها إلا بحسب عمله. والثاني: النص الوارد بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وليس في وسع أحد المسارعة إلى المغفرة المجردة دون توسط عمل صالح، فهذان الظاهران نصا أن في تلك الآية حذفا دلت عليه الحال، فما كان مرتبطا بوقت واحد كصيام رمضان فقد جاء النص بإيجاب تأخيره إلى وقته، فإذا خرج الوقت فقد ثبت العجز عن تأديته كما أمرنا إلا بأن يأتي في شئ من ذلك نص آخر فيوقف عنده، وما كان مرتبطا بوقت فيه مهلة فقد جاء النص بإباحة تأخيره إلى آخر وقته، وإيجاب تأخيره إلى أول وقته، فإذا خرج الوقت فكل ما قلنا في الذي قبله ولا فرق، وذلك كأوقات الصلاة. وما لم يأت مرتبطا بوقت، ففرضه البدار في أول أوقات الامكان، إلا أن الامر به لا يسقط عن المأمور به لعصيانه في تأخيره، وكذلك ما كان مرتبطا بوقت له أول محدود لم يحد آخره، أو ما كان مرتبطا بوقت محدود متكرر.
فالنوع الأول: كقضاء صيام المريض والمسافر لأيام رمضان، فذلك لازم في أول أوقات القدرة عليه، فإن بادر إليه فقد أدى ما عليه وإن أخره لغير عذر كان عاصيا بالتأخير وكان الامر عليه ثابتا أبدا.
والنوع الثاني: كوجوب الزكاة، فإن لوقتها أولا وهو انقضاء الحول، وليس قبل ذلك أصلا، وليس لآخر وقتها آخر محدود، بل هو باق أبدا إلى وقت العرض
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست