الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٩٠
وإنك لئيم، علمنا أن الألفاظ لا تنبئ عن المعاني بمجردها.
قال علي: هذا كل ما موهوا به، وهؤلاء هم السوفسطائيون حقا بلا مرية، وقد علم كل ذي عقل أن اللغات إنما رتبها الله عز وجل ليقع بها البيان، واللغات ليست شيئا غير الألفاظ المركبة على المعاني، المبينة عن مسمياتها قال الله تعالى:
* (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) * واللسان هي اللغة بلا خلاف ههنا، فإذا لم يكن الكلام مبينا عن معانيه. فأي شئ يفهم هؤلاء المخذولون عن ربهم تعالى، وعن نبيهم صلى الله عليه وسلم بل بأي شئ يفهم به بعضكم بعضا؟.
ويقال لهم: إذا أمكن ما قلتم فبأي شئ نعرف مرادكم من كلامكم هذا؟
ولعلكم تريدون به شيئا آخر غير ما ظهر منه، ولعلكم تريدون إثبات ما أظهرتم إبطاله. فبأي شئ أجابوا به فهو لازم لهم في عظيم ما أتوا به من السخف، وهؤلاء قوم قد أبطلوا الحقائق جملة، ومنعوا من الفهم بالبتة، فيكاد الكلام يكون معهم عناء لولا كثرة من اغتر بهم من الضعفاء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أنذر باتخاذ الناس رؤساء جهالا فيضلون ويضلون.
وأما قول بكر: إن الخوارج إنما ضلت باتباعها الظاهر، فقد كذب وأفك وافترى وأثم. ما ضلت إلا بمثل ما ضل هو به، من تعلقهم بآيات ما وتركوا غيرها، وتركوا بيان الذي أمره الله عز وجل أن يبين للناس ما نزل إليهم، كما تركه بكر أيضا، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنهم جمعوا آي القرآن كلها، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلوه كله لازما وحكما واحدا ومتبعا كله لاهتدوا على أن الخوارج أعذر منه، وأقل ضلالا، لأنهم لم يلتزموا قبول خبر الواحد، وأما هو فالتزم وجوبه، ثم أقدم على استحلال عصيانه.
والقول الصحيح ههنا: هو أن الروافض إنما ضلت بتركها الظاهر، واتباعها ما اتبع بكر، ونظراؤه من التقليد، والقول بالهوى بغير علم ولا هدى من الله عز وجل ولا سلطان ولا برهان، فقال الروافض: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * قالوا: ليس هذا على ظاهره، ولم يرد الله تعالى بقرة قط، إنما هي عائشة رضي الله تعالى عنها، ولعن من عقها، وقالوا: (الجبت والطاغوت) ليسا على ظاهرهما
(٢٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 ... » »»
الفهرست