الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٧٢
بيانا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنقل الآية عن ظاهرها إلى باطن ما صرنا إليه طائعين، وإن لم يوجدونا بيانا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فليس أحد أولى بالتأويل - في باطن ما تحتمله تلك الآية - من آخر من تأول أيضا. ومن الباطل المحال أن يكون للآية باطن لا يبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يكون حينئذ لم يبلغ كما أمر وهذا لا يقوله مسلم، فبطل ما ظنوه.
وقد أتت الأحاديث الصحاح بحمل كل كلام على ظاهره كما حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي قال: ثنا محمد بن معاوية المرواني، عن أحمد بن شعيب النسائي، ثنا محمد بن عبد الله بن المبارك، ثنا أبو هشام - واسمه المغيرة بن سلمة المخزومي بصري ثقة - قال علي وأنبأناه أيضا عبد الله بن يوسف بن نامي، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم بن الحجاج، حدثني زهير بن حرب. ثنا يزيد بن هارون، قال علي: واللفظ لفظ المغيرة، قال المغيرة ويزيد:
ثنا الربيع بن مسلم، ثنا محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: إن الله تعالى قد فرض عليكم الحج فقام رجل فقال: أفي كل عام؟
فسكت عنه، حتى أعاده ثلاثا. فقال: لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بالشئ فخذوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه.
وقد روي أيضا من طرق صحاح إلى الزهري، عن أبي سنان، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن نفعل ما أمر به ما نستطيع، وأن نجتنب ما نهى عنه من طريق أبي هريرة مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم - أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبو صالح، والأعرج، وهمام بن منبه ومحمد بن زياد، كلهم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عن همام معمر، ورواه عن الأعرج أبو الزناد، ورواه عن أبي صالح الأعمش، ورواه عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة الزهري، ورواه عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة مسندا أيضا شعبة، والربيع بن مسلم، ورواه عمن ذكرنا الثقات الأكابر.
قال علي: فبين عليه السلام في هذا الحديث بيانا لا إشكال فيه أن كل ما أمر به فهو واجب، حتى لو لم يقدر عليه. وهذا معنى قوله تعالى: ولو شاء الله
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»
الفهرست