الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٦٨
واحتج على بعضهم بالخبر الثابت من طريق أنس: أن رجلا اتهم بأم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر النبي عليه السلام علي بن أبي طالب أن يقتله فأتاه فوجده في ركي يتبرد، فأمره بالخروج فلما خرج فإذا هو مجبوب لا ذكر له فتركه وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، وزاد بعض من لا يوثق به في هذا الخبر أن عليا قال له: يا رسول الله أنفذ لأمرك كالسكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال له: بل الشاهد يرى ما لا يراه الغائب وقد ذكر هذا اللفظ أيضا في خبر بعثه عليه السلام عليا إلى خيبر، وكلاهما لا يصح أصلا، بل هما زيادتا كذب، لم يرو قط من طريق فيها خير، ويلزم من صححها أن يسقط من الصلاة ثلاث صلوات، أو من كل صلاة ركعة إن رأى ذلك أصلح، أو ينقل صوم رمضان إلى الربيع رفقا بالناس، إذ الشاهد يرى مالا يرى الغائب، وأن يزيد في الحدود والزكاة، أو ينقص منها، وهذا كفر صريح فبطل التعلق بهذا اللفظ الموضوع.
وكذلك ما روي أنه عليه السلام أمر أبا بكر وعمر بقتل ذي الخويصرة فرجعا وقال أحدهما: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدته ساجدا، وقال الآخر: وجدته راكعا، فهو خبر كاذب لم يأت قط من طريق خير، وأما أمره عليه السلام بقتل ذلك الانسان فيخرج على أحد وجهين: إما أنه شهد عند النبي عليه السلام بذلك قوم عدول في الظاهر، منافقون في الباطن كاذبون بأنهم سمعوه يقر بذلك فوجب عليه القتل لأذاه النبي صلى الله عليه وسلم، ففضح الله كذبهم، وأما أنه تعالى أوحى إليه بالامر بقتله، وقد علم تعالى أنه سينسخ ذلك الامر بإظهار براءته، وكذب الناقل، وكلا الامرين وجه صحيح، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: فإذا قد ذكرنا كل ما شغبوا به، فلنذكر إن شاء الله تعالى البراهين المصححة أن الأوامر كلها على الوجوب، والنواهي كلها على التحريم إلا ما خرج
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»
الفهرست