الاحكام - ابن حزم - ج ٣ - الصفحة ٢٦٠
على الحمار أولى من أن يوقع على العظم الذي في القدم، وقولك: عين ليس بأن يوقع على يمين عين النظر، أولى من أن يوقع على عين الماء، وقولك: لون ليس بأن يوقع على الحمرة، أولى من أن يوقع على البياض، فكذلك قول القائل افعل لما وجد يراد به الندب، ووجد يراد به إيجاب، لم يكن إيقاعه على الايجاب أولى من إيقاعه على الندب إلا بدليل.
قال علي: هذا شغب فاسد، وذلك أنا نقول وبالله تعالى التوفيق: إن لكل مسمى من عرض أو جسم اسما يختص به، يتبين به مما سواه من الأشياء ليقع بها التفاهم، وليعلم السامع المخاطب به مراد المتكلم المخاطب له، ولو لم يكن ذلك لما كان تفاهم أبدا، ولبطل خطاب الله تعالى لنا، وقد قال الله تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ولو لم يكن لكل معنى اسم منفرد به لما صح البيان أبدا، لان تخليط المعاني هو الاشكال نفسه، فإذن الأصل ما ذكرناه بضرورة العقل، وبنص القرآن، ثم وجدنا في اللغة أشياء مما ذكروا من أسماء تقع على معان شتى، ووجدناها أيضا أسماء يختص كل اسم منها بمسماه فقط، وعلمنا أن المراد باللغة إنما هو الافهام لا الاشكال، لزمنا أن نلزم الأصل الذي هو اختصاص كل معنى باسمه دون أن يشاركه فيه غيره، حتى يصح عندنا أن هذا الاسم مرتب بخلاف هذه الرتبة، وأنه مما لا يقع به بيان فيطلب بيانه حينئذ من غيره.
قال علي: والذي شبهوا به الأوامر من الأسماء المشتركة التي ذكروا، مثل لون وعير ورجل تشبيه فاسد ضرورة، وذلك أن المخاطب إذا خاطبنا بخبر ما عن رجل أو عن لون أو أمرنا بأمر ما في ذلك فممكن أن نحمل خبره وأمره على كل ما يقتضيه ما ذكر مثل أن يقول: لا تأكلوا عيرا فيجتنب كل ما يقع عليه اسم عير، وإن اختلفت أنواعه، وكذلك قوله تعالى: انظروا إلى ثمرة إذا أثمر كان ذلك واقعا على كل ثمر، وإن اختلفت أنواعه، وكذلك قول القائل:
الهواء لا لون له. فقد انتفى بذلك عنه البياض والحمرة والسواد والخضرة والصفرة، فالفائدة بالخطاب بهذه الأسماء قائمة، والتفاهم ممكن، وحملها على ما يقتضيه جائز حسن إلا أن يقوم دليل على تخصيص بعض ما تحتها فيصار إليه.
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست