مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٦١
ومات لعبد الله بن عامر المازني رضي الله عنه، في الطاعون الجارف، سبعة بنين في يوم واحد، فقال: إني مسلم مسلم.
وعن عبد الرحمان بن عثمان قال: دخلنا على معاذ وهو قاعد عند رأس ابن له، وهو يجود بنفسه، فما ملكنا أنفسنا أن ذرفت أعيننا، وانتحب بعضنا، فزجره معاذ، وقال: مه، فوالله ليعلم الله برضاي، لهذا أحب إلي من كل غزوة غزوتها مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فإني سمعته يقول: (من كان له ابن وكان عليه عزيزا، وبه ضنينا، ومات فصبر على مصيبته واحتسبه، أبدل الله الميت دارا خيرا من داره، وقرارا خيرا من قراره، وأبدل المصاب الصلاة والرحمة والمغفرة والرضوان).
فما برحنا حتى قضى - والله - الغلام حين أخذ المنادي لصلاة الظهر، فرحنا نريد الصلاة، فما جئنا إلا وقد غسله وحنطه وكفنه.
وجاء رجل بسريره غير منتظر لشهود الإخوان، ولا لجمع الجيران، فلما بلغنا ذلك تلاحقنا، وقلنا: يغفر الله لك يا أبا عبد الرحمن، هلا انتظرتنا حتى نفرغ من صلاتنا، ونشهد ابن أخينا.
فقال: أمرنا أن لا ننتظر موتانا ساعة ماتوا بليل أو نهار، قال: فنزل في القبر، ونزل معه آخر، فلما أراد الخروج ناولته يدي لأنتهضه (1) من القبر، فأبى وقال: ما أدع ذلك لفضل قوتي، ولكن أكره أن يرى الجاهل أن ذلك مني جزع، أو استرخاء عند المصيبة، ثم أتى مجلسه، ودعا بدهن فأدهن، وبكحل فاكتحل، وببردة فلبسها، وأكثر في يومه ذلك من التبسم، ينوي به ما ينوي، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، في الله خلف عن كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودرك لكل ما فات.
وروي: إن قوما كانوا عند علي بن الحسين عليهما السلام، فاستعجل خادما بشواء في التنور، فأقبل به مسرعا، فسقط السفود (2) من يده على ولد علي بن الحسين عليه السلام، فأصاب رأسه فقتله، فوثب علي بن الحسين عليهما السلام، فلما رأى ابنه ميتا، قال للغلام: (أنت حر لوجه الله تعالى، أما إنك لم تتعمده) ثم أخذ في جهاز ابنه (3).

(١) في (ش): لأنتشطه.
(٢) السفود: بفتح السين وضمها، حديدة ذات شعب معقفة يشوى بها اللحم. (لسان العرب - سفد - ٣: ٢١٨).
(٣) كشف الغمة ٢: ٨١ باختلاف يسير، والبحار 82: 142.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116