مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٦٥
تشكره؟ فقال: أوليس ترى ما قد صنع بي؟ قلت: بلى، فقال: والله لو أن الله تبارك وتعالى صب علي نارا تحرقني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بي، ما ازددت فيه - سبحانه - إلا حبا، ولا ازددت له إلا شكرا، وإن لي إليك حاجة، أفتقضيها لي؟ قلت: نعم، قل ما تشاء، فقال: بني لي كان يتعاهدني أوقات صلاتي، ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، فانظر تجده لي؟
قال: فقلت في نفسي، إن في قضاء حاجته لقربة إلى الله عز وجل، فقمت وخرجت في طلبه، حتى إذا صرت بين كثبان الرمال، إذا أنا بسبع قد افترس الغلام فأكله (1)، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف آتي هذا العبد الصالح بخبر ابنه؟
قال: فأتيته، وسلمت عليه، فرد علي السلام فقلت: رحمك الله، إن سألتك عن شئ تخبرني؟ فقال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به، قال: فقلت: أنت أكرم على الله عز وجل وأقرب منزلة، أو نبي الله أيوب عليه السلام؟ فقال: بل (نبي الله) (2) أكرم على الله تعالى مني، وأعظم عند الله تعالى منزلة مني، قال: فقلت له: إنه ابتلاه الله تعالى فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به، وكان عرضا لمرار الطريق (3)، واعلم أن ابنك الذي أخبرتني به، وسألتني أن اطلبه لك افترسه السبع، فأعظم الله أجرك فيه.
فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا، ثم شهق شهقة وسقط على وجهه، فجلست ساعة ثم حركته فإذا هو ميت، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف أعمل في أمره؟ ومن يعينني على تغسيله وكفنه وحفر قبره ودفنه؟
فبينما أنا كذلك إذ أنا بركب (4) يريدون الرباط، فأشرت إليهم فأقبلوا نحوي حتى وقفوا علي، وقالوا: من أنت؟
ومن هذا؟ فأخبرتهم بقصتي، فعقلوا رواحلهم، وأعانوني حتى غسلناه بما البحر، وكفناه بأثواب كانت معهم، وتقدم فصليت عليه مع الجماعة، ودفناه في مظلته.

(1) في (ش): يأكله.
(2) في نسخة (ش): أيوب.
(3) عرضا لمرار الطريق: لغل المراد منه انه كان معروضا على الطريق يمر به الناس، لا بيت له يكنه.
انظر (الصحاح - عرض - 3: 1082).
(4) في (ح): بقفل، والقفل: الجند إذا رجعوا من معسكرهم، انظر (الصحاح - قفل - 5: 1803).
(٦٥)
مفاتيح البحث: القبر (1)، الجماعة (1)، الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116