مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٦٢
وعن الأحنف بن قيس قال: تعلموا الحلم والصبر، فإني تعلمته، فقيل له:
ممن؟ قال: من قيس بن عاصم، قيل: وما بلغ من حلمه؟ قال: كنا قعودا عنده، إذ أتي بابنه مقتولا، وبقاتله مكبولا، فما حل حبوته (1)، ولا قطع حديثه حتى فرغ.
ثم التفت إلى قاتل ابنه فقال: يا ابن أخي، ما حملك على ما فعلت؟ قال:
غضبت، قال: أو كلما غضبت أهنت نفسك، وعصيت ربك، وأقللت عددك؟ اذهب فقد أعتقتك.
ثم التفت إلى بنيه فقال: يا بني، اعمدوا (2) إلى أخيكم فغسلوه وكفنوه، فإذا فرغتم منه فأتوني به لأصلي عليه، فلما دفنوه قال لهم: إن أمه ليست منكم، وهي من قوم آخرين، فلا أراها ترضى بما صنعتم، فأعطوها ديته من مالي (3).
وروى الصدوق في (الفقيه) انه لما مات ذر بن أبي ذر - رحمه الله - وقف [أبو ذر] (4) على قبره فمسح القبر بيده، ثم قال: رحمك الله يا ذر، والله انك كنت بي لبر، ولقد قبضت وإني عنك لراض، والله ما بي فقدك وما علي من غضاضة، ومالي إلى أحد سوى الله من حاجة، ولولا هول المطلع لسرني أن أكون مكانك، ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، والله ما بكيت لك، ولكن بكيت عليك، فليت شعري ما قلت، وما قيل لك؟ اللهم إني قد وهبته ما افترضت عليه من حقي، فهب له ما افترضت عليه من حقك، فأنت أحق بالجود والكرم مني (5).
وأسند الدينوري أن ذر بن عمر بن ذر لما مات وقف أبوه على قبره، وقال:
رحمك الله يا ذر، ما علينا بعدك من خصاصة، وما بنا إلى أحد مع الله حاجة، وما يسرني أني كنت المقدم قبلك، ولولا هول المطلع لتمنيت أن أكون مكانك، وقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك، فليت شعري ما ذا قلت، وماذا قيل لك، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إني قد وهبت له حقي فيما بيني وبينه، فاغفر له من الذنوب ما بينك وبينه، فأنت أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، ثم انصرف وقال: فارقناك، ولو أقمنا

(١) الحبوة من الاحتباء: وهو أن يضم الانسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشد عليها.
وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب. (النهاية ١: ٣٣٥).
(٢) في هامش (ح): اقصدوا.
(٣) أخرج نحوه ابن عبد ربه في العقد الفريد ٢: ١٣٦.
(٤) أثبتناه من الفقيه.
(٥) الفقيه ١: ١١٧ / ٥٥٨، الكافي ٣: ٢٥٠ / 4، والبحار 82: 142.
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116