مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٢٧
يوم عمل ليس فيه حساب، ألا وإنكم توشكون في يوم حساب ليس فيه عمل) (1).
واعلم أن محبوبا يفارقك، وتبقى على نفسك حسرته وألمه، وفي حال إيصاله (2) كدك وكدحك وجدك واجتهادك، ومع ذلك لا يخلو زمانك معه من تنغيص (3) به أو عليه، لأجل أن تتسلى عنه، وتطلب لنفسك محبوبا غيره، وتجتهد في أن يكون موصوفا بحسن الصحة، ودوام الملازمة، وزيادة الأنس، وتمام المنفعة.
فإن ظفرت به فذلك هو الذي ينبغي أن يكون بغيتك التي تحفظها، وتهتم بها، وتنفق وقتك عليها، وهو غاية كل محبة، ومنتهى كل مقصد، وما ذاك إلا الاشتغال بالله، وصرف الهمة إليه، وتفويض ما خرج عن ذلك إليه، فإن ذلك دليل على حب الله تعالى، يحبهم ويحبونه والذين آمنوا أشد حبا لله.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحب لله من شرط الأيمان، فقال:
(لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) (4).
ولا يتحقق الحب في قلب (أحدكم لأحد) (5) مع كراهته لفعله وسخطه به، بل مع عدم رضاه على وجه الحقيقة، لا على وجه التكلف والتعنت.
وفي أخبار داود عليه السلام: (يا داود، أبلغ أهل أرضي: اني حبيب من أحبني، وجليس من جالسني، ومؤنس لمن أنس بذكري، وصاحب لمن صاحبني، ومختار لمن اختارني، ومطيع لمن أطاعني، ما أحبني أحد (6) أعلم ذلك يقينا من قلبه إلا قبلته لنفسي، (وأحببته حبا) (7) لا يتقدمه أحد من خلقي، من طلبني بالحق وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني. فارفضوا - يا أهل الأرض - ما أنتم عليه من غرورها، وهلموا إلى كرامتي ومصاحبتي ومجالستي ومؤانستي، وأنسوا بي أؤانسكم، وأسارع إلى محبتكم) (8).

(١) رواه الديلمي عن النبي صلى الله عليه وآله في إرشاد القلوب: ٢١ باختلاف في ألفاظه.
(٢) في نسخة (ش): اتصاله.
(٣) التنغيص: التكدير، يقال: نغص عليه العيش تنغيصا: كدره. (ومجمع البحرين - نغص - ٤: ١٨٦).
(٤) أخرجه الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء ٨: ٤، ورواه - باختلاف يسير - أحمد في مسنده ٣: ١٧٢ و ٢٤٨، والنسائي في سننه ٨: ٩٥، وابن ماجة في سننه ٢: ١٣٣٨ / ٤٠٣٣.
(٥) في نسخة (ش): أحد.
(٦) في نسخة (ش): عبد.
(٧) في (ح): وأحييته حياة.
(٨) أخرجه المجلسي في البحار ٧٠: ٢٦ / ٢٨، والحر العاملي في الجواهر السنية: ٩٤ عن مسكن الفؤاد.
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116