مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٢٣
إلى فاخرها إلى أعلى ما في الدنيا، بالإضافة إلى سندس الجنة واستبرقها، وهلم جرا إلى ما فيها من النعيم المقيم؟!
بل لو تأملت بعين بصيرتك في هذا المثل، وأجلت فيه رؤيتك، علمت أن ذلك الكريم الكبير، بل جميع العقلاء لا يرضون من ذلك الفقير بمجرد تسليم ولده ورضاه بأخذه، بل لابد في الحكمة من حمده عليه وشكره، وإظهار الثناء عليه بما هو أهله، لأن ذلك هو مقتضى حق النعمة.
الرابع: إن في الجزع بذلك والسخط انحطاطا عظيما عن مرتبة الرضى بقضاء الله تعالى، وفي فوات ذلك خطر وخيم، وفوات نيل عظيم، فقد ذم الله تعالى من سخط بقضائه، وقال: (من لم يرض بقضائي، ولم يصبر على بلائي، فليعبد ربا سواي) (١).
وفي كلامه تعالى لموسى عليه السلام حين قال له: دلني على أمر فيه رضاك، قال: (إن رضاي في رضاك بقضائي) (٢).
وفي القرآن الكريم: ﴿رضي الله عنهم ورضوا عنه﴾ (٣).
وأوحى الله تعالى إلى داود: (يا داود، تريد وأريد، وإنما يكون ما أريد، فإن سلمت لما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم ما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد) (٤).
وقال تعالى: ﴿لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم﴾ (5).
واعلم أن الرضى بقضاء الله - تعالى - ثمرة المحبة لله، إذ من أحب شيئا رضي بفعله، ورضى العبد عن الله دليل على رضى الله تعالى عن العبد، رضي الله عنهم ورضوا عنه، وصاحب هذه المرتبة مع رضي الله تعالى عنه - الذي هو أكمل السعادات، وأجل الكمالات - لا يزال مستريحا، لأنه لم يوجد منه أريد ولا أريد، كلاهما عنده واحد ، ورضوان الله أكبر، إن ذلك لمن عزم الأمور.
وسيأتي لذلك بحث آخر إن شاء الله تعالى في باب الرضى (6).

(١) جامع الأخبار: ١٣٣، دعوات الراوندي: ١٦٩ / ٤٧١، الجامع الصغير ٢: ٢٣٥ / ٦٠١٠.
(٢) رواه الراوندي في دعواته: ١٦٤ / ٤٥٣، باختلاف يسير.
(٣) المائدة ٥: ١١٩.
(٤) رواه الصدوق في التوحيد: ٣٣٧ / ٤.
(٥) الحديد ٥٧: 23.
(6) يأتي في ص 79
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116