مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٢٢
أفضل من سبعين ولدا يبقون بعده، يدركون القائم عليه السلام) (1).
واعتبر أنه لو قيل: إن رجلا فقيرا معه ولد عليه خلقان (2) الثياب، قد أسكنه في خربة مقفرة ذات آفات كثيرة، وفيها بيوت حياة وعقارب وسباع ضارية، وهو معه على خطر عظيم، فاطلع عليه رجل حكيم جليل، ذو ثروة وحشمة (3) وخدم وقصور عالية ورتب سامية، فرق لهذا الرجل ولولده، فأرسل إليه بعض غلمانه: إن سيدي يقول لك:
إني قد رحمتك مما بك في هذه الخربة، وهو خائف عليك وعلى ولدك (من العاهات) (4)، وقد تفضلت عليك بهذا القصر، ينزل به ولدك، ويوكل به جارية عظيمة من كرائم جواريه تقوم بخدمته إلى أن تقضي أنت أغراضك التي في نفسك، ثم إذا قدمت، وأردت الإقامة أنزلتك معه في القصر، بل في قصر أحسن من قصره.
فقال الرجل الفقير: أنا لا أرضى بذلك، ولا يفارقني ولدي في هذه الخربة، لا لعدم وثوقي بالرجل الباذل، ولا زهدا مني في داره وقصره، ولا لأماني على ولدي في هذه الخربة، بل طبعي اقتضى ذلك، وما أريد أن أخالف طبعي.
أفما كنت - أيها السامع لو صف هذا الرجل - تعده من أدنياء السفهاء وأخساء الأغبياء؟! فلا تقع (5) في خلق لا ترضاه لغيرك، فإن نفسك أعز عليك من غيرك.
واعلم أن لسع الأفاعي، وأكل السباع، وغيرهما من آفات الدنيا لا نسبة لها إلى أقل محنة من محن الآخرة المكتسبة في الدنيا، بل لا نسبة لها إلى إعراض الحق (6) سبحانه، وتوبيخه ساعة واحدة في عرصة القيامة، أو عرضة واحدة على النار مع الخروج منها بسرعة.
فما ظنك بتوبيخ يكون ألف عام، أو أضعافه، وبنفحة من عذاب جهنم يبقى ألمها ألف عام، ولسعة من حياتها وعقاربها يبقى ألمها أربعين خريفا! وأي نسبة لأعلى قصر في دار الدنيا، إلى أدنى مسكن في الجنة! وأي مناسبة بين خلقان الثياب في الدنيا

(١) ثواب الأعمال: ٢٣٣ / 4.
(2) خلق الثوب بالضم: إذا بلي (مجمع البحرين - خلق - 5: 158).
(3) في هامش: (ح): وحشم.
(4) ليس في نسخة (ش) و (د).
(5) في هامش (ح): فإياك أن تقع.
(6) في (ح): الخالق.
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116