مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٤٦
ثمرة له، فقال عز من قائل: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا﴾ (١) وقال:
(وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا (٢) وقال تعالى: ﴿ولنجزين الذين صبروا اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ (٣) وقال: ﴿أولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا﴾ (٤) وقال: ﴿إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب﴾ (٥).
فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ولأجل كون الصوم من الصبر، وأنه نصف الصبر (٦) كان لا يتولى أجره إلا الله تبارك وتعالى - كما ورد في الأثر.
قال الله تعالى: (الصوم لي، وأنا أجزي به) (٧) فأضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات، ووعد الصابرين بأنه معهم، فقال: ﴿واصبروا ان الله مع الصابرين﴾ (8) وعلق النصرة على الصبر، فقال: (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم

(١) السجدة ٣٢: ٢٤.
(٢) الأعراف ٧: ١٣٧.
(٣) النحل ١٦: ٩٦.
(٤) القصص ٢٨: ٥٤.
(٥) الزمر ٣٩: ١٠.
(٦) روى ابن ماجة في سننه ١: ٥٥٥ / ١٧٤٥، والسيوطي في الجامع الصغير ٢: ١٢٢ / ٥٢٠٠: (الصيام نصف الصبر).
(٧) رواه الصدوق في الخصال: ٤٥ / ٤٢، ومالك في الموطأ ١: ٣١٠ / ٥٨، والبخاري في صحيحه ٣: ٣١، وابن ماجة في سننه ٢: ١٢٥٦ / ٣٨٢٣، وقال ابن الأثير في النهاية: ١: ٢٧٠ بعد ذكر الحديث: قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث، وأنه لم خص الصوم والجزاء عليه بنفسه عز وجل، وإن كانت العبادات كلها له وجزاؤها منه، وذكروا فيه وجوها مدارها كلها على أن الصوم سر بين الله والعبد لا يطلع عليه سواه، فلا يكون العبد صائما حقيقة إلا وهو مخلص في الطاعة، وهذا وإن كان كما قالوا فإن غير الصوم من العبادات يشاركه في سر الطاعة، كالصلاة على غير طهارة، أو في ثوب نجس ونحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات التي لا يعرفها إلا الله وصاحبها. وأحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث أن جميع العبادات التي يتقرب بها العباد إلى الله عز وجل - من صلاة وحج، وصدقة، واعتكاف، وتبتل، ودعاء، وقربان، وهدي، وغير ذلك من أنواع العبادات - قد عبد المشركون بها آلهتهم، وما كانوا يتخذونه من دون الله أندادا، ولم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين وأرباب النحل في الأزمان المتقادمة عبدت آلهتها بالصوم، ولا تقربت إليها به، ولا عرف الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع، فلذلك قال الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به: أي لم يشاركني أحد فيه، ولا عبد به غيري، فأنا حينئذ أجزي به وأتولى الجزاء عليه بنفسي، لا أكله إلى أحد من ملك مقرب أو غيره على قدر اختصاصه بي.
(٨) الأنفال ٨: 46.
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116