مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٢١
في الأغلب بقاءه لنفسه، فإن هذا هو المجبول عليه طبع الخلق، ومنفعته لك على تقدير بقائه غير معلومة، بل كثيرا ما يكون المظنون عدمها، فإن الزمان قد صار في آخره، والشقوة والغفلة قد شملت أكثر الخلائق، وقد عز السعيد، وقل الصالح الحميد، فنفعه لك - بل لنفسه - على تقدير بقائه غير معلوم، وانتفاعه الآن وسلامته من الخطر ونفعه لك قد صار معلوما، فلا ينبغي أن تترك الأمر المعلوم لأجل الأمر المظنون بل الموهوم، وتأمل أكثر الخلف لأكثر السلف، هل تجد منهم نافعا لأبويه إلا أقلهم، أو مستيقظا إلا أوحديهم حتى إذا رأيت واحدا كذلك، فعد ألوفا بخلافه. والحاقك ولدك الواحد بالفرد النادر الفذ (1) دون الأغلب الكثير، عين الغفلة والغباوة، فإن الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم. كما ذكره سيد الوصيين، وترجمان رب العالمين، صلوات الله وسلامه عليه.
مع أن ذلك الفرد الذي تريد مثله، إنما هو صالح نافع بحسب الظاهر، وما الذي يدريك بباطنه وفساد نيته وظلمه لنفسه؟! فلعلك لو كشف عن باطنه، ظهر لك أنه منطو على معاصي وفضائح، لا ترضاها لنفسك ولا لولدك، وتتمنى أن ولدك لو كان على مثل حالته يموت فإنه خير له.
هذا كله إذا كنت تريد أن تجعل ولدك واحدا في العالمين، ووليا من الصالحين، فكيف وأنت لا تريده إلا ليرث بيتك، أو بستانك، أو دوابك، وأمثال ذلك من الأمور الخسيسة الزائلة عما قريب! وتتركه يرث الفردوس الأعلى في جوار أولاد النبيين والمرسلين، مبعوثا مع الآمنين الفرحين، مربى إن كان صغيرا في حجر سارة أم النبيين، كما وردت به الأخبار عن سيد المرسلين، (2)، ما هذا إلا معدود من السفه لو عقلت!.
ولو كان مرادك أن تجعله من العلماء الراسخين والصلحاء المتقين، وتورثه علمك وكتبك وغيرها من أسباب الخير، فاذكر أيضا أن ذلك كله لو تم معك، فما وعد الله تعالى من العوض على فقده أعظم من مقصدك، كما ستسمعه إن شاء الله تعالى.
مثل ما رواه الصدوق، عن الصادق عليه السلام: (ولد واحد يقدمه الرجل،

(١) ليس في نسخة (د) و (ش).
(٢) روى الصدوق في الفقيه ٣: ٣١٦ / 2، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذونهم بشجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من درة فإذا كان يوم القيامة البسوا وطيبوا واهدوا إلى آبائهم فهم ملوك في الجنة مع آبائهم وهو قول الله عز وجل: (والذين آمنوا وتبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم).
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116