مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٢٥
خراب، ومالها - وإن اغتر بها الجاهل - إلى ذهاب، ومن خاض الماء الغمر (١) لا يجزع من بلل، كما أن من دخل بين الصفين لا يخلو من وجل، ومن العجب من أدخل يده في فم الأفاعي كيف ينكر اللسع، وأعجب منه من يطلب من المطبوع على الضر النفع!
وما أحسن قول بعض الفضلاء (٢) في مرثية ابنه:
طبعت على كدر وأنت تريدها * صفوا من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها * متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني البناء على شفير هار وقال بعض العارفين: ينبغي لمن نزلت به مصيبة أن يسهلها على نفسه، ولا يغفل عن تذكر ما يعقبه من وجوب الفناء وتقضي المسار، وأن الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، يجمعها من لا عقل له، ويسعى لها من لا ثقة له، وفيها يعادي من لا علم له، وعليها يحسد من الفقه له، من صخ فيها سقم، ومن سقم فيها برم، ومن افتقر فيها حزن، ومن استغنى فيها فتن.
واعلم أنك قد خلقت في هذه الدار لغرض خاص، لأن الله تعالى منزه عن العبث، وقد قال الله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ (3) وقد جعلها مكتسبا لدار القرار، وجعل بضاعتها الأعمال الصالحة، ووقتها العمر، وهو قصير جدا بالنظر إلى ما يطلب من السعادة الأبدية، التي لا انقضاء لها.
فإن اشتغلت بها، واستيقظت استيقاظ الرجال، واهتممت بشأنك اهتمام الأبدال، رجوت أن تنال نصيبك منها، فلا تضيع عمرك في الاهتمام بغير ما خلقت له، يضيع وقتك، ويذهب عمرك بلا فائدة، فإن الغائب لا يعود، والميت لا يرجع، وتفوتك

(١) الغمر: بفتح الغين وسكون الميم: الكثير.
(٢) هو علي بن محمد بن نهد التهامي، أبو الحسن، شاعر مشهور من أهل تهامة، زار الشام والعراق، وولي خطابة الرملة، ثم رحل إلى مصر، متخفيا، فعلمت به حكومة مصر، فاعتقل وحبس في دار البنود، ثم قتل سرا في سجنه سنة ٤١٦ ه‍، قال ابن خلكان: له مرثية في ولده، وكان قد مات صغيرا، وهي في غاية الحسن.
ويقال: إن بعض أصحابه رآه في النوم بعد موته. فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقال: بأي الاعمال؟ فقال: بقولي في مرثية ولدي الصغير:
جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجواري انظر (وفيات الأعيان ٣: ٣٧٨ / ٤٧١، الأعلام للزركلي ٤: ٣٢٧).
(٣) الذاريات ٥١: 56.
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116