مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٤٣
حفظ القرآن، ولقنه أبوه من الفقه والحديث شيئا كثيرا، فمات فأتيته لأعزيه، فقال:
كنت أشتهي موته، فقلت له: يا أبا إسحاق، أنت عالم الدنيا، تقول مثل هذا في صبي قد أنجب، وحفظ القرآن، ولقنته الحديث والفقه؟! قال: نعم، رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن صبيانا بأيديهم القلال (1) فيها ماء، يستقبلون الناس يسقونهم، وكان اليوم يوما حارا شديد الحر. فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء. فنظر إلي، وقال:
لست أنت أبي، قلت: فأي شئ أنتم؟ قالوا: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا، وخلفنا آباءنا، فنستقبلهم ونسقيهم (2)، فلهذا تمنيت موته.
وروى الغزالي في (الإحياء): إن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج برهة من دهره فيأبى، قال: فانتبه من نومه ذات يوم، وقال: زوجوني، فزوجوه، فسئل عن ذلك، فقال: لعل (الله أن يرزقني) (3) ولدا ويقبضه، فيكون لي مقدمة في الآخرة، ثم قال: رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأني في جملة الخلائق في الموقف، وبي من العطش ما كاد أن يقطع قلبي، وكذا الخلائق من شدة العطش والكرب، فبينما نحن كذلك وإذا ولدان يتخللون الجمع، عليهم قناديل من نور، وبأيديهم أباريق من فضة وأكواب من ذهب، يسقون الواحد بعد الواحد، يتخللون الجمع ويتجاوزون أكثر الناس، فمددت يدي إلى أحدهم، فقلت: اسقني، فقد أجهدني العطش، فقال: مالك فينا ولد: إنما نسقي آباءنا، فقلت: ومن أنتم؟ قالوا: نحن من مات من أطفال المسلمين (4).
وحجى الشيخ أبو عبد الله بن النعمان في كتاب (مصباح الظلام) عن بعض الثقات: أن رجلا أوصى بعض أصحابه - ممن أراد أن يحج - أن يقرأ سلامه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويدفن رقعة مختومة (أعطاها له - عند رأسه الشريف، ففعل ذلك، فلما رجع من حجه أكرمه الرجل وقال له: جزاك الله خيرا، لقد بلغت الرسالة، فتعجب المبلغ من ذلك وقال: من أين علمت تبليغها قبل أن أحدثك، فأنشأ يحدثه، قال: كان لي أخ مات، وترك ابنا صغيرا، فربيته وأحسنت تربيته، ثم مات

(١) القلال جمع القلة: وهي الحب العظيم أو الجرة العظيمة (القاموس المحيط ٤: ٤٠).
(2) في نسخة (ش): فنسقيهم الماء.
(3) في نسخة (ش): الله تعالى يرزقني.
(4) إحياء علوم الدين 2: 27.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116