مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٦٣
ما نفعناك (1).
وروي المبرد قال: لما هلك ذر بن عمر وقف عليه أبوه وهو مسجى، وقال: يا بني، ما علينا من موتك غضاضة، وما بنا إلى ما سوي الله من حاجة، فلما دفن قام على قبره، وقال: يا ذر، غفر الله لك، قد شغلنا عن الحزن لك عن الحزن عليك، لأنا لا ندري ما قلت، ولا ما قيل لك. اللهم إني قد وهبت له ما قصر فيه مما افترضت عليه من حقي، فهب له ما قصر فيه من حقك، واجعل ثوابي عليه له، وزدني من فضلك، إني إليك من الراغبين. فسئل عنه، فقيل: كيف كان معك؟ فقال: ما مشيت معه بليل قط إلا كان أمامي، ولا بنهار قط إلا كان خلفي، وما علا سطحا قط وأنا تحته (2).
وقدم على بعض الخلفاء قوم من بني عبس، فيهم رجل ضرير، فسأله عن عينيه، فقال: بت ليلة في بطن واد، ولم أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل ومال وولد، غير بعير وصبي مولود، وكان (بعيرا صعبا فنفر) (3)، فوضعت الصبي واتبعت البعير، فلم أجاوز إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه وهو يأكله، ولحقت البعير لأحبسه فبعجني (4) برجله على وجهي فحطمه، وذهب بعيني فأصبحت لا مال لي، ولا أهل، ولا ولد، ولا بصر.
روي: أن عياض بن عقبة الفهري مات له ابن، فلما نزل في قبره قال له رجل:
والله انه كان لسيد الجيش فاحتسبه، فقال: وما يمنعني، وقد كان بالأمس زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات!؟
وقال أبو علي الرازي صحبت الفضيل بن عياض ثلاثين، سنة ما رأيته ضاحكا ولا مبتسما قط إلا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله سبحانه وتعالى أحب أمرا، فأحببت ما أحب الله عز وجل.
وأصيب عمرو بن (5) كعب الهندي بتستر (6)، فكتموا أباه الخبر، ثم بلغه فلم يجزع، وقال: الحمد لله الذي جعل من صلبي من أصيب شهيدا. ثم استشهد له ابن آخر

(١) عيون الأخبار ٢: ٣١٣.
(٢) أخرج قطعة منه المبرد في الكامل ١: ١٤٠.
(٣) في (ش): البعير صعبا فند.
(٤) البعج: الشق (لسان العرب ٢: ٢١٤).
(٥) في (ح): عمرو.
(٦) تستر: من مدن خوزستان، وهو تعريب شوشتر. انظر (معجم البلدان ٢: ٢٩).
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116