مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٦٤
بجرجان (١)، فلما بلغه الخبر قال: الحمد لله الذي توفى مني شهيدا آخر.
وروي البيهقي: أن عبد الله بن مطرف مات، فخرج أبوه مطرف على قومه في ثياب حسنة وقد ادهن، فغضبوا وقالوا: يموت عبد الله وتخرج في ثياب حسنة مدهنا؟!
قال: أفأستكين لها، وقد وعدني ربي تبارك وتعالى عليها ثلاث خصال، هي أحب إلي من الدنيا وما فيها، قال الله تعالى: ﴿الذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون﴾ (2).
ودعا رجل من قريش إخوانا له، فجمعهم على طعام، فضربت ابنا له دابة لبعضهم فمات، فأخفى ذلك عن القوم، وقال لأهله: لا أعلمن صاحت منكم صائحة، أو بكت منكم باكية، وأقبل على إخوانه حتى فرغوا من طعامه، ثم أخذ في جهاز الصبي، فلم يفجأهم إلا بسريره، فارتاعوا وسألوه عن أمره فأخبرهم، فعجبوا من صبره وكرمه.
وذكر: أن رجلا من اليمامة دفن ثلاثة رجال من ولده، ثم احتبى في نادي قومه يتحدث كأن لم يفقد أحدا، فقيل له في ذلك، فقال: ليسوا في الموت ببديع، ولا أنا في المصيبة بأوحد، ولا جدوى للجزع، فعلام تلومونني؟
وأسند أبو العباس عن مسروق عن الأوزاعي، قال: حدثنا بعض الحكماء، قال: خرجت وأنا أريد الرباط (3) حتى إذا كنت بعريش (4) مصر إذا أنا بمظلة، وفيها رجل قد ذهبت عيناه، واسترسلتا يداه ورجلاه، وهو يقول: لك الحمد سيدي ومولاي، اللهم إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا.
فقلت: والله لأسألنه، أعلمه أو ألهمه إلهاما؟ فدنوت منه، وسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت له: رحمك الله، إني أسألك عن شئ، أتخبرني به أم لا؟ فقال:
إن كان عندي منه علم أخبرتك به، فقلت: رحمك الله، على أي فضيلة من فضائله

(١) جرجان: مدينة مشهورة بين طبرستان وخراسان، فبعض يعدها من هذه، وبعض يعدها من هذه (معجم البلدان ٢: ١١٩).
(٢) البقرة ٢: ١٥٦ و ١٥٧.
(٣) الرباط: ملازمة ثغور البلاد استعدادا للعدو. (القاموس المحيط - ربط - ٢: ٣٦٠).
(٤) العريش: مدينة بمصر على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في حدود مصر على الشام) معجم البلدان ٤: ١١٣).
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116