مسكن الفؤاد - الشهيد الثاني - الصفحة ٧٣
النقع (1) الذي أرى على وجهك أشد من مصابهما.
وروي: أن صلة بن أشيم كان في مغزي له، ومعه ابن له، فقال لابنه: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل فقتل، ثم تقدم أبوه فقاتل فقتل، قال:
فاجتمع النساء عند أمه معاذة العدوية زوجة صلة، فقالت لهن: مرحبا بكن إن كنتن (جئتن لتهنئتي) (2) وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.
وروي: أن عجوزا من بني بكر بن كلاب كان يتحدث قومها عن عقلها وسدادها، فأخبر بعض من حضرها، وقد مات ابن لها، وكان واحدها، وقد طالت علته، وأحسنت تمريضه، فلما مات قعدت بفنائك، وحضرها قومها، فأقبلت على شيخ منهم فقالت: يا فلان، ما حق من أسبغت عليه النعمة، وألبس العافية، واعتدلت به النظرة، أن لا يعجز عن التوثق لنفسه قبل حل عقدته والحلول بعقوته (3)، ينزل الموت بداره، فيحول بينه وبين نفسه؟ ثم أنشأت تقول شعرا:
هو ابني وأنسي أجره لي وعزني * على نفسه رب إليه ولاؤها فإن أحتسب أوجر وإن أبكه أكن * كباكية لم يغن شيئا بكاؤها فقال لها الشيخ: إننا لم نزل نسمع أن الجزع إنما هو للنساء، فلا يجز عن أحد بعدك، ولقد كرم صبرك، وما أشبهت النساء فقالت له: إنه ما ميز امرؤ بن جزع وصبر، إلا وجد بينهما منهجين بعيدي التفاوت في حالتيهما:
أما الصبر: فحسن العلانية، محمود العاقبة.
وأما الجزع: فغير معرض شيئا مع إثمه.
ولو كان في صورة رجلين، لكان الصبر أولاهما بالغلبة، وبحسن الصورة، وكرم الطبيعة في عاجل الدين وآجله في الثواب، وكفى بما وعد الله عز وجل لمن ألهمه إياه.
وعن جويرية بن أسماء: أن ثلاثة أخوة شهدوا تستر، واستشهدوا، وبلغ ذلك أمهم، فقالت: مقبلين أم مدبرين؟ فقيل لها: بل مقبلين، فقالت الحمد لله، نالوا والله الفوز، وحاطوا الذمار بنفسي هم وأبي وأمي، وما تأوهت، ولا دمعت لها عين.

(1) النقع: الغبار. (الصحاح - نقع - 3: 1292).
(2) في (د): جئتني لتهنئنني.
(3) في (ح) بعقوبته، والصواب ما في المتن، والعقوة: الساحة وما حول الدار. (الصحاح - عقا - 6:
2433).
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 العقل والعدل الإلهي 18
2 أفعاله تعالى غاية مصلحة العبد 19
3 مثال واقعي في دفع المكروهات 20
4 منفعة الولد الدنيوية لأبيه مظنونة 21
5 لا نسبة بين آلام الدنيا وآلام الآخرة 22
6 في الجزع فوات مرتبة الرضا 23
7 الدنيا دار كدر وعناء 24
8 الدنيا قنطرة الآخرة 25
9 الدنيا دار الفناء 26
10 حب الله يقتضي الرضا بأفعاله 27
11 من صفات المحبين لله تعالى 28
12 الباب الأول: في بيان الأعواض الحاصلة عن موت الأولاد وما يقرب من هذا المراد الأعواض عن موت الأولاد 30
13 حكايات ومنامات عن ثواب موت الأولاد 42
14 الباب الثاني: في الصبر وما يلحق به 45
15 الصوم نصف الصبر 46
16 أحاديث شريفة في الصبر 47
17 ثواب الصبر 51
18 ما يثبت الأجر على المصيبة وما يحبطه 53
19 أثر الصلاة في تهوين المصائب 56
20 الجزع محبط للأجر 57
21 محاسن البلاء 58
22 الصبر والجزع كاشفان عن بواطن الناس 59
23 فصل: في نبذ من أحوال السلف عند موت أبنائهم وأحبائهم 60
24 فصل في ذكر جماعة من النساء نقل العلماء صبرهن 68
25 الباب الثالث: في الرضا 79
26 ثواب الراضين بقسمة الله 80
27 الرضا من المقامات العالية 81
28 من معاني الرضا 82
29 من علامات الرضا 83
30 مرتبة الرضا أعلى من مرتبة الصبر 84
31 درجات الرضا 85
32 وقائع ماضية عن الرضا بالقضاء 87
33 الدعاء يدفع البلاء، وسبب تأخير الإجابة 90
34 من أسباب تأخير الإجابة 91
35 الباب الرابع: في البكاء 92
36 البكاء لا ينافي الصبر ولا الرضا بالقضاء 93
37 من الأعمال المنافية للصبر والمحبطة للأجر 99
38 ثواب الاسترجاع عند المصيبة 101
39 النواح الجائز 103
40 استحباب تعزية أهل الميت 105
41 كيفية التعزية 108
42 ذكر المصيبة بفقد الرسول من أعظم المعزيات 110
43 حكايات من لطائف التعازي 111
44 البلاء على قدر الإيمان 113
45 رسالة الإمام الصادق عليه السلام يعزي بني عمه 116