مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٦٦
وعبر في الروضة بالمذهب، (وجوب ركوب البحر) بسكون الحاء ويجوز فتحها، لمن لا طريق له وغيره ولو امرأة. (إن غلبت السلامة) في ركوبه، كسلوك طريق البر عند غلبة السلامة، فإن غلب الهلاك أو استوى الامر إن لم يجب، بل يحرم في الأول قطعا، وفي الثاني على الصحيح في زيادة الروضة والمجموع لما فيه من الخطر. والثاني: لا يجب مطلقا لما فيه من الخوف والخطر وتعسر دفع عوارضه. والثالث: يجب مطلقا لاطلاق الأدلة. وقيل: يجب على الرجل دون المرأة، وإذا لم نوجب ركوبه وجوزناه استحب للرجل دون المرأة على الأصح، وإذا لم نجوزه فركبه لعارض، فإن كان ما بين يديه أكثر مما قطعه فله الرجوع إلى وطنه، أو ما بين يديه أقل أو تساويا فلا رجوع له بل يلزمه التمادي لقربه من مقصده في الأول واستواء الجهتين في حقه في الثاني. وهذا بخلاف جواز تحلل المحرم إذا أحاط به العدو، لأن المحصر محبوس وعليه في مصابرة الاحرام مشقة بخلاف راكب البحر، نعم إن كان محرما كان كالمحصر. فإن قيل: كيف يصح القول بوجوب الذهاب ومنعه من الانصراف مع أن الحج على التراخي؟ أجيب بأن صورة المسألة فيمن خشي العضب أو أحرم بالحج وضاق وقته أو نذر أن يحج تلك السنة، أو أن المراد بذلك استقرار الوجوب، هذا إن وجد بعد الحج طريقا آخر في البر وإلا فله الرجوع لئلا يتحمل زيادة الخطر بركوب البحر في رجوعه. قال الأذرعي: وما ذكروه من الكثرة والتساوي المتبادر منه النظر إلى المسافة وهو صحيح عند الاستواء في الخوف في جميع المسافة، أما لو اختلف فينبغي أن ينظر إلى الموضع المخوف وغيره حتى لو كان أمامه أقل مسافة لكنه أخوف أو هو المخوف لا يلزمه التمادي، وإن كان أقل مسافة ولكنه سليم وخلف المخوف وراءه لزمه ذلك اه‍. وهو بحث حسن. ولا خطر في الأنهار العظيمة كجيحون وسيحون والدجلة فيجب ركوبها مطلقا إذا تعين طريقا، لأن المقام فيها لا يطول والخطر فيها لا يعظم، لأن جانبها قريب يمكن الخروج إليه سريعا بخلاف البحر. قال الأذرعي: وكان التصوير فيما إذا كان يقطعها عرضا، أما لو كان السير فيها طولا فهي في كثير من الأوقات كالبحر وأخطر اه‍. وهو كما قال خصوصا أيام زيادة النيل، وقد قال تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) *. (و) الأظهر (أنه يلزمه أجرة البذرقة) وهي بموحدة مفتوحة وذال ساكنة معجمة ومهملة، عجمية معربة: الخفارة لأنها أهبة من أهب الطريق مأخوذة بحق، فكانت كأجرة الدليل إذا لم يعرف الطريق إلا به. والمراد أنه إذا وجد من يأخذ منه أجرة المثل ويخفره بحيث يأمن معه في غالب الظن وجب استئجاره على الأصح كما في الروضة وغيرها عن الامام وصححه ابن الصلاح، وقال السبكي: إنه ظاهر في الدليل وإن كانت عبارة الأكثرين مشعرة بخلافه. والثاني، وأجاب به العراقيون والقاضي وجزم به في التنبيه، وأقره المصنف في تصحيحه، ونقله ابن الرفعة عن النص: لا تلزمه، لأنها خسران لدفع الظلم، فأشبه التسليم إلى الظالم فلا يجب الحج مع طلبها.
ومع هذا فالمعتمد الأول.
تنبيه: تبع المصنف المحرر في حكاية الخلاف في هذه المسألة قولين، ولكن الذي في المجموع والروضة كأصلها وجهان. (ويشترط) في وجوب النسك، (وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل) فإن لم يوجدا أو أحدهما، كأن كان عام جدب وخلا بعض المنازل من أهلها أو انقطعت المياه أو وجد بأكثر من ثمن المثل لم يلزمه النسك، لأنه إن لم يحمل ذلك معه خاف على نفسه، وإن حمله عظمت المؤنة إلا أن تكون زيادة يسيرة فتغتفر. ولا يجري فيه الخلاف في شراء الماء للطهارة، لأن الطهارة لها بدل بخلاف الحج، قاله الدميري. (وهو) أي ثمن المثل، (القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان) وإن غلت الأسعار. قال الرافعي: ويجب حمل الماء والزاد بقدر ما جرت العادة به في طريق مكة كحمل الزاد من الكوفة إلى مكة وحمل الماء من مرحلتين أو ثلاث. قال الأذرعي: وكان هذا عادة طريق العراق، وإلا فعادة الشام حمله غالبا بمفازة تبوك، وهي ضعف ذلك اه‍. وكذا عادة أهل مصر حمله إلى العقبة
(٤٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532