مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٥٥
عليه. (والمذهب بطلان ما مضى من اعتكافهما المتتابع) فلا بد من استئنافه لأن ذلك أشد وأقبح من الخروج من المسجد بلا عذر، وهو يقطع التتابع كما سيأتي. والثاني: لا يبطل في المسألتين فيبنيان، أما في الردة فترغيبا في الاسلام، وأما في السكر فإلحاقا بالنوم. والثالث وهو المنصوص: يبني المرتد لأنه لا يمنع من المسجد، ولهذا تجوز استتابته فيه، ولا يبني السكران لأنه يمنع منه للآية. والرابع: يبني السكران دون المرتد لأن السكر كالنوم والردة تنافي العبادة.
تنبيه: المراد بالبطلان عدم البناء عليه لا حبوطه بالكلية، ولهذا قال الشارح: من حيث التتابع. وهذا في السكران، وأما المرتد فقد نص الشافعي على أن الردة لا تحبط الثواب إن لم تتصل بالموت وإن اتصلت به فهي محبطة للعمل بنص القرآن. فإن قيل: ثني المصنف الضمير في اعتكافهما، والأولى إفراده لأن المعطوف هنا بأو، وقد أتى به بعد ذلك مفردا حيث عبر بقوله: إن لم يخرج؟ أجيب بأن المعطوف ب‍ أو هو الفعل، والضمير ليس عائدا عليه، وإنما هو عائد على المرتد والسكران المفهومين من لفظ الفعل، وقد تقدم ما يدل عليهما فصح عود الضمير عليهما. (ولو طرأ جنون أو إغماء) على المعتكف، (لم يبطل ما مضى) من اعتكافه المتتابع، (إن لم يخرج) - بالبناء للمفعول - من المسجد، لأنه معذور بما عرض له، فإن أخرج من تعذر ضبطه في المسجد لم يبطل أيضا كما لو حمل العاقل مكرها، وكذا إن أمكن بمشقة على الصحيح فهو كالمريض، فكان ينبغي ترك التقييد بعد الخروج لاستواء حكمهما. أما لو طرأ ذلك بسبب لا يعذر فيه كالسكر فإنه ينقطع اعتكافه كما نقله في الكفاية عن البندنيجي في الجنون، وبحثه الأذرعي في الاغماء. (ويحسب زمن الاغماء من الاعتكاف) المتتابع كما في الصائم إذا أغمي عليه بعض النهار، (دون) زمن (الجنون) فلا يحسب منه لأن العبادة البدنية لا تصح منه. (أو) طرأ (الحيض) أو النفاس على معتكفه، (وجب) عليها (الخروج) من المسجد لتحريم المكث عليها، (وكذا الجنابة) بما لا يبطل الاعتكاف كالاحتلام (إذا) طرأ على المعتكف، و (تعذر) عليه (الغسل في المسجد) فيجب عليه الخروج منه لحرمة مكثه فيه. ولو احتاج إلى التيمم لفقد الماء أو غيره، فالظاهر كما بحثه بعض المتأخرين وجوب الخروج له مع إمكانه في المسجد بغير ترابه، لأنه يتضمن لبثا إلى إكمال التيمم، فإن أمكنه أن يتيمم مارا من غير مكث ولا تردد لم يجب الخروج لأن المرور لا يحرم على الجنب. (فلو أمكنه) الغسل فيه بلا مكث (جاز) له (الخروج، ولا يلزمه) الخروج لأجل الغسل، بل له فعله في المسجد مراعاة للتتابع. نعم إن كان مستجمرا بالحجر ونحوه وجب عليه الخروج، ولا يجوز إزالة النجاسة في المسجد. وكذا يجب عليه الخروج إذا كان يحصل بالغسالة ضرر للمسجد أو للمصلين كما قال ذلك بعض المتأخرين، ويلزمه أن يبادر بالغسل لئلا يبطل تتابع اعتكافه. (ولا يحسب زمن الحيض) والنفاس (ولا) زمن (الجنابة) من الاعتكاف إن اتفق المكث معها في المسجد لعذر أو غيره، لمنافاة ما ذكر للاعتكاف.
وسيأتي آخر الباب تفصيل في أن الحائض هل تبني على ما مضى من اعتكافها أو لا. وأما المستحاضة فإن أمنت التلويث لم تخرج من اعتكافها، فإن خرجت بطل.
فصل: في حكم الاعتكاف المنذور. (إذا نذر مدة متتابعة) كقوله: لله علي اعتكاف عشرة أيام متتابعة، (لزمه) التتابع فيها إن صرح به لفظا، لأنه وصف مقصود لما فيه من المبادرة إلى الباقي عقب الاتيان ببعضه. ولا يلزمه في هذه الأيام اعتكاف الليالي المتخللة بينها إلا أن ينويها فتلزمه لأنها لا تدخل في مسمى الأيام، ولو نذر بلفظه التفريق لم يلزمه وجاز له التتابع على الأصح. فإن قيل: إذا نذر في الصوم التتابع أو التفريق لزمه، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن الصوم يجب فيه التفريق في حالة، وهي صوم التمتع، فكان مطلوبا فيه التفريق، بخلاف الاعتكاف لم يطلب فيه
(٤٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532