مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٦٠
للنسك الآتي بيانه كما قاله في المجموع. وقال في الكفاية: هو قصد الافعال الآتية، وتقدم في باب صلاة النفل عن القاضي حسين أنه أفضل العبادات لاشتماله على المال والبدن. وقال الحليمي: الحج يجمع معاني العبادات كلها، فمن حج فكأنما صام وصلى واعتكف وزكى ورابط في سبيل الله وغزا، وبين ذلك، ولأنا دعينا إليه ونحن في أصلاب الآباء كالايمان الذي هو أفضل العبادات. ولكن تقدم أن الراجح أن الصلاة أفضل منه. وهو من الشرائع القديمة، روي أن آدم عليه الصلاة والسلام لما حج قال له جبريل: إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت بسبعة آلاف سنة. وقال صاحب التعجيز: إن أول من حج آدم عليه الصلاة والسلام، وأنه حج أربعين سنة من الهند ماشيا. وقيل ما من نبي إلا حجه. وقال أبو إسحاق: لم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا وقد حج البيت. وادعى بعض من ألف في المناسك أن الصحيح أنه لم يجب إلا على هذه الأمة. (هو فرض) أي مفروض، لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت) * الآية. ولحديث: بني الاسلام على خمس، ولحديث: حجوا قبل أن لا تحجوا، قالوا: وكيف نحج قبل أن لا نحج؟ قال: أن تقعد العرب على بطون الأودية يمنعون الناس السبيل. وهو إجماع يكفر جاحده إن لم يخف عليه. واختلفوا متى فرض، فقيل: قبل الهجرة، حكاه في النهاية. والمشهور أنه بعد الهجرة، وعلى هذا قيل: فرض في السنة الخامسة من الهجرة، وجزم به الرافعي في الكلام على أن الحج على التراخي، وقيل: في السنة السادسة، وصححاه في كتاب السير، ونقله في المجموع عن الأصحاب، وهذا هو المشهور. وقيل: في الثامنة، حكاه في الأحكام السلطانية. وقيل: في التاسعة، حكاه في الروضة، وصححه القاضي عياض. وقيل: في العاشرة، قال بعضهم: وهو غلط، وكان (ص) قبل أن يهاجر يحج كل سنة، ولا يجب بأصل الشرع إلا مرة لأنه (ص) لم يحج بعد فرض الحج إلا مرة واحدة، وهي حجة الوداع، ولخبر مسلم: أحجنا هذا لعامنا أم للأبد؟ قال لا، بل للأبد. وأما حديث البيهقي الآمر بالحج كل خمسة أعوام فمحمول على الندب، لقوله (ص): من حج حجة أدى فرضه، ومن حج ثانية داين ربه، ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره وبشره على النار قيل: إن رجلا قتل وأوقد عليه النار طول الليل فلم تعمل فيه وبقي أبيض البدن، فسألوا سعدون الخولاني عن ذلك، فقال: لعله حج ثلاث حجج؟ قالوا: نعم. وقد يجب أكثر من مرة لعارض: كنذر وقضاء عند إفساد التطوع. (وكذا العمرة) فرض (في الأظهر)، لقوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) *: أي ائتوا بهما تامين، ولخبر ابن ماجة والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: نعم جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة. وأما خبر الترمذي عن جابر: سئل النبي (ص) عن العمرة أواجبة هي؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك فضعيف. قال في المجموع: اتفق الحفاظ على ضعفه، ولا يغتر بقول الترمذي فيه حسن صحيح. وقال ابن حزم: إنه باطل. قال أصحابنا: ولو صح لم يلزم منه عدم وجوبها مطلقا لاحتمال أن المراد ليست واجبة على السائل لعدم استطاعته، قال:
وقوله: أن تعتمر بفتح الهمزة، والعمرة بضم العين مع ضم الميم وإسكان وبفتح العين وإسكانها الميم لغة: الزيارة، وقيل: القصد إلى مكان عامر، ولذلك سميت عمرة، وقيل: سميت بذلك لأنها تفعل في العمر كله، وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي بيانه. ولا يغنى عنها الحج وإن اشتمل عليها، ويفارق الغسل حيث يغني عن الوضوء بأن الغسل أصل فأغنى عن بدله، والحج والعمرة أصلان.
فائدة: النسك إما فرض عين، وهو على من لم يحج بالشروط الآتية. وإما فرض كفاية، وهو إحياء الكعبة كل سنة بالحج والعمرة. وإما تطوع، ولا يتصور إلا في الأرقاء والصبيان، إذ فرض الكفاية لا يتوجه إليهم، لكن لو تطوع منهم من يحصل به الكفاية سقط الفرض عن المخاطبين كما بحثه بعض المتأخرين قياسا على الجهاد وصلاة الجنازة.
ويسن لمن وجب عليه الحج أو العمرة أن لا يؤخر ذلك عن سنة إلا مكان مبادرة إلى براءة ذمته ومسارعة إلى الطاعات، قال تعالى: * (فاستبقوا الخيرات) *. وإن أخر بعد التمكن وفعله قبل أن يموت لم يأثم، لأنه
(٤٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532