مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٧٤
مما سبق، (أحرم على مرحلتين من مكة) إذ لا ميقات أقل مسافة من هذا القدر. والمراد تقدم المحاذاة في علمه لا في نفس الامر، كما قاله شارح التعجيز، لأن المواقيت تعم جهات مكة، فلا بد أن يحاذي أحدها. (ومن مسكنه بين مكة والميقات فميقاته) للنسك (مسكنه) قرية كانت أو حلة أو منزلا منفردا فلا يجاوزه حتى يحرم، ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات لقوله (ص) في الخبر السابق: فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ. (ومن بلغ) يعني جاوز، (ميقاتا) من المواقيت المنصوص عليها أو موضعا جعلناه ميقاتا وإن لم يكن ميقاتا أصليا، (غير مريد نسكا ثم أراده، فميقاته موضعه) ولا يكلف العود إلى الميقات للخبر السابق. (ومن بلغه) أي وصل إليه (مريدا) نسكا (لم تجز مجاوزته) إلى جهة الحرم (بغير إحرام) بالاجماع، ويجوز إلى جهة اليمنة أو اليسرة، ويحرم من مثل ميقات بلده أو أبعد كما ذكره الماوردي.
(فإن) خالف (وفعل) ما منع منه بأن جاوزه إلى جهة الحرم، (لزمه العود ليحرم منه) لأن الاحرام منه كان واجبا عليه فتركه وقد أمكنه تداركه فيأتي به.
تنبيه: قوله: ليحرم منه يقتضي تعيينه حتى لا يقوم غيره مقامه، وليس مرادا، بل لو عاد إلى مثل مسافته من ميقات آخر جاز، قاله الماوردي وغيره. ويؤيده أن المفسد لما أوجبوا عليه القضاء من الميقات الذي أحرم منه في الأداء قالوا: إنه يجوز له تركه والاحرام من مثل مسافته من موضع آخر، حتى ادعى في زيادة الروضة عدم الخلاف فيه. ويقتضي أيضا وجوب تأخير الاحرام إلى العود، وليس مرادا أيضا، لأنا إذا قلنا إن العود بعد الاحرام مسقط للدم - وهو الصحيح كما سيأتي - كان له أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرما، لأن المقصود قطع المسافة محرما، كالمكي إذا أراد الاعتمار فإنه يجوز له أن يحرم من مكة ثم يخرج إلى الحل على الصحيح. ويقتضي أيضا عدم وجوب العود إذا أحرم، فإنه جعل العلة في عوده إنشاء الاحرام وقد زال ذلك وليس مرادا أيضا، بل يجب عليه العود ولو بعد الاحرام. ولا فرق فيما قال المصنف بين أن يكون قد جاوز عامدا أو ساهيا عالما أو جاهلا، لأن المأمورات لا يفترق الحال فيها بين العمد وغيره، كنية الصلاة، لكن لا إثم على الناسي والجاهل. وصورة السهو لا تدخل في عبارته، لأن الساهي عن الاحرام يستحيل أن يكون في تلك الحالة مريدا للنسك. وربما يتصور بمن أنشأ سفره من بلده قاصدا له وقصده مستمر فسها عنه حين المجاوزة. ثم استثنى من لزوم العود قوله: (إلا إذا ضاق الوقت) عن العود إلى الميقات، (أو كان الطريق مخوفا) أو كان معذورا لمرض شاق، أو خاف الانقطاع عن رفقة، فلا يلزمه العود في هذه الصورة بل يريق دما.
تنبيه: لو عبر بقوله: إلا لعذر كضيق الوقت وخوف الطريق لكان أخصر وأشمل، والظاهر كما قال الأذرعي تحريم العود لو علم أنه لو عاد لفات الحج. وقضية كلامهم أنه يلزمه العود إذا كان ماشيا ولم يتضرر بالمشي. قال الأسنوي: وفيه نظر، ويتجه أن يقال إن كان على دون مسافة القصر لزمه وإلا فلا كما قلنا في الحج ماشيا اه‍. قال ابن العماد:
والمتجه لزوم العود مطلقا، لأنه قضاء لما تعدى فيه فأشبه وجوب قضاء الحج الفاسد وإن بعدت المسافة اه‍. هذا ظاهر إن كان قد تعدى بمجاوزة الميقات كما يؤخذ من تعليله، وإلا فالمتجه كلام الأسنوي. (فإن لم يعد) لعذر أو غيره (لزمه دم) بتركه الاحرام من الميقات. قال ابن عباس: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما رواه مالك وغيره بإسناد صحيح. وشرط لزومه أن يحرم بعمرة مطلقا أو بحج في تلك السنة، بخلاف ما إذا لم يحرم أصلا، لأن لزومه إنما هو لنقصان النسك لا بدل له، وبخلاف ما إذا أحرم بالحج في سنة أخرى، لأن إحرام هذه السنة لا يصلح لاحرام غيرها. وقضية كلامه كأصله أن الكافر إذا جاوز الميقات مريدا للنسك ثم أسلم وأحرم دونه يكون كالمسلم، وهو كذلك خلافا للمزني.
(٤٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532