الحديث إلى أن قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " بقيبت أنا وأنت " قلت: صدقت يا رسول الله، قال: اقعد فاشرب، فقعدت فشربت، فقال: اشرب فشربت، فما زال يقول: اشرب، حتى قلت: لا، والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا، قال: فأرني، فأعطيته القدح، فحمد الله تعالى وسمى وشرب الفضلة.
(باب ما يقول إذا فرغ من الطعام) 676 - روينا في " صحيح البخاري " عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: " الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " وفي رواية " كان إذا فرغ من طعامه " وقال مرة " إذا رفع مائدته قال: الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفي ولا مكفور ".
قلت: مكفي، بفتح الميم وتشديد الياء، هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواه أكثر الرواة بالهمز، وهو فاسد من حيث العربية، سواء كان من الكفاية، أو من كفأت الإناء، كما لا يقال في مقروء من القراءة: مقرئ، ولا في مرمى بالهمز. قال صاحب " مطالع الأنوار " في تفسير هذا الحديث: المراد بهذا المذكور كله الطعام، وإليه يعود الضمير. قال الحربي: فالمكفي: الإناء المقلوب للاستغناء عنه، كما قال: " غير مستغنى عنه " أو لعدمه، وقوله: غير مكفور، أي: غير مجحود نعم الله سبحانه وتعالى فيه، بل مشكورة، غير مستور الاعتراف بها والحمد عليها. وذهب الخطابي إلى أن المراد بهذا الدعاء كله الباري سبحانه وتعالى، وأن الضمير يعود إليه، وأن معنى قوله:
غير مكفي: أنه يطعم ولا يطعم، كأنه على هذا من الكفاية، وإلى هذا ذهب غيره في تفسير هذا الحديث، أي: إن الله تعالى مستغن عن معين وظهير، قال: وقوله: ولا مودع: أي: غير متروك الطلب منه والرغبة إليه، وهو بمعنى المستغنى عنه، وينتصب " ربنا " على هذا بالاختصاص أو المدح أو بالنداء، كأنه قال: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا، ومن رفعه قطعه وجعله خبرا، وكذا قيده الأصيلي كأنه قال: ذلك ربنا، أي أنت ربنا، ويصح فيه الكسر على البدل من الاسم في قوله: الحمد لله. وذكر أبو السعادات ابن الأثير في " نهاية الغريب " نحو هذا الخلاف مختصرا. وقال: ومن رفع " ربنا " فعلى الابتداء المؤخر: أي ربنا غير مكفي ولا مودع، وعلى هذا يرفع " غير " قال: ويجوز أن يكون الكلام راجعا إلى الحمد، كأنه قال: حمدا كثيرا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى