مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٣
وقد تلقيت الكتاب المذكور رواية ودراية: عن أئمة ظهرت وبهرت مفاخرهم، واشتهرت وانتشرت مآثرهم، جمعني الله وإياهم والمسلمين في مستقر رحمته، بمحمد وآله وصحابته. وحيث أقول شيخنا فهو: المخلص الذي طار صيته في الآفاق، وكان تقيا نقيا زكيا، ونفع الله به وبتلامذته، ذو الفضائل والفواصل: شيخ الاسلام زكريا. أو شيخي فهو فريد دهره، ووحيد عصره، سلطان العلماء، ولسان المتكلمين، عمدة المعلمين، وهداية المتعلمين، حسنة الأيام والليالي شهاب الدنيا والدين: الشهير بالرملي. أو الشارح: فالجلال المحقق المدقق الحلى. أو الشيخان أو قالا أو نقلا: فالرافعي والنووي رضى الله تعالى عنهما. وحيث أطلق الترجيح فهو في كلاهما غالبا، والا عزوته لقائله.
وأتضرع إلى الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه ومن اجله، وان يعيدنا وأئمة الدين والمؤمنين من همزات الشيطان وخيله ورجله، وبالله تعالى أستعين فهو نعم المعين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم) أي ابتدى أو افتح أو أؤلف، وهذا أولى إذ كل فاعل يبدأ في فعله ببسم الله يضمر ما جعل التسمية مبدأ له كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل فقال: بسم الله كان المعنى بسم الله أحل، أو باسم الله ارحل، ويسمى فعل الشروع: أي الفعل الذي يشرع فيه، ويصح ان يقدر مصدرا كابتدائي ولا يضر حذفه وإبقاء عمله لأنه يتوسع في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسع في غيرهما، وان يقدر كل منهما مقدما أو مؤخرا، ولكن تقديره كما قال الإمام الرازي فعلا ومؤخرا أولى كما في " إياك نعبد وإياك نستعين " ولأنه تعالى مقدم ذاتا لأنه قديم واجب الوجود لذاته فقدم ذكرا. فإن قيل قال الله تعالى - اقرأ باسم ربك - فقدم الفعل. فالجواب انه في مقام ابتداء القراءة وتعليمها لأنها أول سورة نزلت، فكان الامر بالقراءة أهم باعتبار هذا العارض وإن كان ذكر الله تعالى أهم في نفسه، وذكر أجوبة غير ذلك في مقدمتي على البسملة والحمدلة. وقيل إن الباء زائدة لا تتعلق بشئ فاسم مبتدأ حذف خبره أو عكسه. والصحيح انه اصلى، والباء هنا للاستعانة أو للمصاحبة والملابسة على جهة التبرك.
فإن قيل من حق حروف المعاني التي جاءت على حرف واحد ان تبنى على الفاتحة التي هي أخت السكون نحو واو العطف وفائه. فالجواب انها إنما كسرت للزومها الحرفية والجر ولتشابه حركتها عملها. والاسم مشتق من السمو وهو العلو فهو من الأسماء المجذوفة الاعجاز كيد ودم لكثرة الاستعمال، بنيت أوائلها على السكون وادخل عليها همزة الوصل لتعذر الابتداء بالساكن. وقيل من الوسم وهو العلامة فوزنه على الأول افع محذوف اللام وعلى الثاني أعل محذوف الفاء، وفيه عشر لغات نظمها بعضهم في بيت فقال:
سم وسما واسم بتثليث أول * لهن سماء عاشر ثمت انجلى والاسم إن أريد به اللفظ فغير المسمى لأنه يتألف من أصوات مقطعة غير قارة، ويختلف باختلاف الاسم والاعصار، ويتعدد تارة ويتعدد أخرى، والمسمى لا يكون كذلك، وإن أريد به ذات الشئ فهو المسمى لكنه لم يشتهر بهذا المعنى، وإن أريد به الصفة كما هو رأى أبى الحسن الأشعري انقسم انقسام الصفة عنده إلى ما هو نفس المسمى كالواحد والقديم، والى ما هو غير كالخالق والرازق، وإلى ما ليس هو ولا غيره كالعلم والقدرة: أي فإنهما زائد على الذات وليسا غير الذات، لأن المراد بالغير ما ينفك عن الذات وهما لا ينفكان. والله علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد لم يتسم به سواه، تسمى به قبل ان يسمى وأنزله على آدم في جملة الأسماء. قال تعالى " هل تعلم له سميا ": أي هل تعلم أحدا سمى الله غير الله. وأصله إله. قال الرافعي في كتابه (العلاوة والتذنيب) كإمام ثم ادخلوا عليه الألف واللام ثم حذفت الهمزة طلبا للخفة ونقلت حركتها إلى اللام فصار اللاه فصار اللاه بلامين متحركين سكنت الأولى وأدغمت في الثانية للتسهيل ا ه‍.
وقيل حذفت همزته وعوض عنها حرف التعريف ثم جعل علما. والاله في الأصل يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا، وهل هو مشتق أو مرتجل؟ فيه خلاف. والحق انه أصل بنفسه غير مأخوذ من شئ بل وضع علما ابتداء، فكما أن ذاته لا يحيط بها شئ ولا ترجع إلى شئ فكذلك اسمه
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532