مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤١٩
قلنا التمكن شرط للوجوب فلا زكاة عليه، وإن قلنا إنه شرط في الضمان وعلقنا الزكاة بالعين وهو الأصح فيهما، انتقل الحق إلى القيمة، كما لو قتل الرقيق الجاني والمرهون. (وهي) أي الزكاة (تتعلق بالمال) الذي تجب فيه (تعلق شركة) بقدرها، لظاهر الأدلة، ولأنها تجب بصفة المال من الجودة والرداءة. ولو امتنع المالك من إخراجها أخذها الامام منه قهرا، كما يقسم المال المشترك إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته. وإنما جاز الاخراج من غيره على خلاف قاعدة المشتركات رفقا بالمالك وتوسيعا عليه لكونها وجبت مجانا على سبيل المواساة، وعلى هذا إن كان الواجب من غير جنس المال كشاة في خمس من الإبل ملك المستحقون بقدر قيمتها من الإبل أو من جنسه كشاة من أربعين شاة، فهل الواجب شاة لا بعينها أو شائع أي جزء من كل شاة؟ وجهان حكاهما الشيخان في الكلام على بيع المال. الأقرب إلى كلام الأكثرين الثاني، إذ القول بالأول يقتضي الجزم ببطلان البيع فيما ذكر لابهام المبيع، وعلى الوجهين للمالك تعيين واحدة منها أو من غيرها قطعا رفقا به. وظاهرها في المجموع إطلاق الخلاف في النقود والحبوب ونحوها وإن قال بعضهم إن واجبها شائع بلا خلاف. (وفي قول تعلق الرهن) بقدرها منه، فيكون الواجب في ذمة المالك والنصاب مرهون به، لأنه لو امتنع من الأداء ولم يجد الواجب في ماله باع الامام بعضه واشترى واجبه كما يباع المرهون في الدين. وقيل: تتعلق بجميعه، (وفي قول) تتعلق (بالذمة) ولا تعلق لها بالعين كزكاة الفطر، وهو أضعفها. وفي قول رابع أنها تتعلق بالعين تعلق الأرش برقبة الجاني، لأنها تسقط بهلاك النصاب كما يسقط الأرش بموت العبد، والتعلق بقدرها منه، وقيل بجميعه. وفي خامس: أنه إن أخرج من المال تبين تعلقها به وإلا فلا. (فلو باعه) أي المال بعد وجوب الزكاة (وقبل إخراجها فالأظهر بطلانه) أي البيع، (في قدرها وصحته في الباقي) لأن حق المستحقين شائع فأي قدر باعه كان حقه وحقهم. والثاني: بطلانه في الجميع.
والثالث: صحته في الجميع. والاولان قولا تفريق الصفقة، ويأتيان على تعلق الشركة وتعلق الرهن أو الأرش بقدر الزكاة ويأتي الثالث على ذلك أيضا. وعلى الأول لو استثنى قدر الزكاة في غير الماشية ك‍ بعتك هذا إلا قدر الزكاة صح البيع كما جزم به الشيخان في بابه، لكن يشترط ذكره أهو عشر أم نصفه كما نقل عن الماوردي والروياني. وأما الماشية فإن عين كقوله:
إلا هذه الشاة صح في كل المبيع، وإلا فلا في الأظهر، ويستثنى من ذلك زكاة التمر إذا خرص، وقلنا الخرص تضمين، وهو الأصح فإنه يصح بيع جميعه قطعا كما أشار إليه المصنف هناك. هذا كله في بيع الجميع كما أشار إليه بقوله: فلو باعه، فأما إذا باع بعضه فإن لم يبق قدر الزكاة فهو كما لو باع الجميع، وإن أبقى قدرها بنية الصرف فيها أو بلا نية بطل أيضا في قدرها على أقيس الوجهين. فإن قيل: يشكل هذا على ما سبق من جزم الشيخين بالصحة. أجيب بأن الاستثناء اللفظي أقوى من القصد المجرد، وهذا كله في زكاة الأعيان، أما زكاة التجارة فيصح بيع الكل بعد وجوب الزكاة وقبل إخراجها على الأصح لأن متعلق الزكاة القيمة وهي لا تفوت بالبيع، بخلاف ما لو وهب أموال التجارة فهو كبيع ما وجبت في عينه فيأتي فيه الأقوال السابقة.
تتمة: لو علم المشتري أن الزكاة وجبت على البائع ولم يخرجها ثبت له الخيار بسبب أن ملكه في بعض ما اشتراه لم يكمل لأن للساعي انتزاعه من يده بغير اختيار، فلو أدى البائع الزكاة من موضع آخر لم يسقط خياره لأنه وإن فعل ذلك لا ينقلب صحيحا في قدرها، وقيل يسقط لأن الخلل قد زال.
خاتمة: يسن للمستحق والساعي الدعاء للمالك عند الاخذ ترغيبا له في الخير وتطييبا لقلبه، وقال تعالى: * (وصل عليهم) * أي ادع لهم، ولا يتعين دعاء، والأولى أن يقول ما استحبه الشافعي: آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت، ويكره أن يصلى - بفتح اللام - على غير الأنبياء والملائكة، لأن ذلك شعار أهل البدع، كما لا يقال عز وجل إلا لله تعالى، وإن صح المعنى في غيره لأنه صار مختصا به، إلا تبعا لهم كالآل فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وأتباعه. ويستثنى من غير الأنبياء والملائكة ما اختلف في نبوته كلقمان ومريم على الأشهر
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532