قلنا التمكن شرط للوجوب فلا زكاة عليه، وإن قلنا إنه شرط في الضمان وعلقنا الزكاة بالعين وهو الأصح فيهما، انتقل الحق إلى القيمة، كما لو قتل الرقيق الجاني والمرهون. (وهي) أي الزكاة (تتعلق بالمال) الذي تجب فيه (تعلق شركة) بقدرها، لظاهر الأدلة، ولأنها تجب بصفة المال من الجودة والرداءة. ولو امتنع المالك من إخراجها أخذها الامام منه قهرا، كما يقسم المال المشترك إذا امتنع بعض الشركاء من قسمته. وإنما جاز الاخراج من غيره على خلاف قاعدة المشتركات رفقا بالمالك وتوسيعا عليه لكونها وجبت مجانا على سبيل المواساة، وعلى هذا إن كان الواجب من غير جنس المال كشاة في خمس من الإبل ملك المستحقون بقدر قيمتها من الإبل أو من جنسه كشاة من أربعين شاة، فهل الواجب شاة لا بعينها أو شائع أي جزء من كل شاة؟ وجهان حكاهما الشيخان في الكلام على بيع المال. الأقرب إلى كلام الأكثرين الثاني، إذ القول بالأول يقتضي الجزم ببطلان البيع فيما ذكر لابهام المبيع، وعلى الوجهين للمالك تعيين واحدة منها أو من غيرها قطعا رفقا به. وظاهرها في المجموع إطلاق الخلاف في النقود والحبوب ونحوها وإن قال بعضهم إن واجبها شائع بلا خلاف. (وفي قول تعلق الرهن) بقدرها منه، فيكون الواجب في ذمة المالك والنصاب مرهون به، لأنه لو امتنع من الأداء ولم يجد الواجب في ماله باع الامام بعضه واشترى واجبه كما يباع المرهون في الدين. وقيل: تتعلق بجميعه، (وفي قول) تتعلق (بالذمة) ولا تعلق لها بالعين كزكاة الفطر، وهو أضعفها. وفي قول رابع أنها تتعلق بالعين تعلق الأرش برقبة الجاني، لأنها تسقط بهلاك النصاب كما يسقط الأرش بموت العبد، والتعلق بقدرها منه، وقيل بجميعه. وفي خامس: أنه إن أخرج من المال تبين تعلقها به وإلا فلا. (فلو باعه) أي المال بعد وجوب الزكاة (وقبل إخراجها فالأظهر بطلانه) أي البيع، (في قدرها وصحته في الباقي) لأن حق المستحقين شائع فأي قدر باعه كان حقه وحقهم. والثاني: بطلانه في الجميع.
والثالث: صحته في الجميع. والاولان قولا تفريق الصفقة، ويأتيان على تعلق الشركة وتعلق الرهن أو الأرش بقدر الزكاة ويأتي الثالث على ذلك أيضا. وعلى الأول لو استثنى قدر الزكاة في غير الماشية ك بعتك هذا إلا قدر الزكاة صح البيع كما جزم به الشيخان في بابه، لكن يشترط ذكره أهو عشر أم نصفه كما نقل عن الماوردي والروياني. وأما الماشية فإن عين كقوله:
إلا هذه الشاة صح في كل المبيع، وإلا فلا في الأظهر، ويستثنى من ذلك زكاة التمر إذا خرص، وقلنا الخرص تضمين، وهو الأصح فإنه يصح بيع جميعه قطعا كما أشار إليه المصنف هناك. هذا كله في بيع الجميع كما أشار إليه بقوله: فلو باعه، فأما إذا باع بعضه فإن لم يبق قدر الزكاة فهو كما لو باع الجميع، وإن أبقى قدرها بنية الصرف فيها أو بلا نية بطل أيضا في قدرها على أقيس الوجهين. فإن قيل: يشكل هذا على ما سبق من جزم الشيخين بالصحة. أجيب بأن الاستثناء اللفظي أقوى من القصد المجرد، وهذا كله في زكاة الأعيان، أما زكاة التجارة فيصح بيع الكل بعد وجوب الزكاة وقبل إخراجها على الأصح لأن متعلق الزكاة القيمة وهي لا تفوت بالبيع، بخلاف ما لو وهب أموال التجارة فهو كبيع ما وجبت في عينه فيأتي فيه الأقوال السابقة.
تتمة: لو علم المشتري أن الزكاة وجبت على البائع ولم يخرجها ثبت له الخيار بسبب أن ملكه في بعض ما اشتراه لم يكمل لأن للساعي انتزاعه من يده بغير اختيار، فلو أدى البائع الزكاة من موضع آخر لم يسقط خياره لأنه وإن فعل ذلك لا ينقلب صحيحا في قدرها، وقيل يسقط لأن الخلل قد زال.
خاتمة: يسن للمستحق والساعي الدعاء للمالك عند الاخذ ترغيبا له في الخير وتطييبا لقلبه، وقال تعالى: * (وصل عليهم) * أي ادع لهم، ولا يتعين دعاء، والأولى أن يقول ما استحبه الشافعي: آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت، ويكره أن يصلى - بفتح اللام - على غير الأنبياء والملائكة، لأن ذلك شعار أهل البدع، كما لا يقال عز وجل إلا لله تعالى، وإن صح المعنى في غيره لأنه صار مختصا به، إلا تبعا لهم كالآل فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وأتباعه. ويستثنى من غير الأنبياء والملائكة ما اختلف في نبوته كلقمان ومريم على الأشهر