مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٣٦٤
وبه أجاب قاضي حماه (ويكره تجصيص القبر) أي تبييضه بالجص وهو من الجبس، البارزي، وهو ظاهر وقيل الجير، والمراد هنا هما أو أحدهما. (والبناء) عليه كقبة أو بيت، للنهي عنهما في صحيح مسلم. وخرج بتجصيصه تطيينه، فإنه لا بأس به كما نص عليه. وقال في المجموع: إنه الصحيح وإن خالف الامام والغزالي في ذلك فجعلاه كالتجصيص.
(والكتابة عليه) سواءا أكتب اسم صاحبه أم غيره في لوح عند رأسه أم في غيره للنهي عنه، رواه الترمذي وقال:
حسن صحيح. قال الأذرعي: هكذا أطلقوه، والقياس الظاهر تحريم كتابة القرآن على القبر لتعرضه للدوس عليه، والنجاسة والتلويث بصديد الموتى عند تكرار النبش في المقبرة المسبلة اه‍، لكن هذا غير محقق، فالمعتمد إطلاق الأصحاب. ويكره أن يجعل على القبر مظلة، لأن عمر رضي الله تعالى عنه رأى قبة فنحاها، وقال: دعوه يظله عمله.
وفي البخاري: لما مات الحسن بن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم ضربت امرأته القبة على قبره سنة، ثم رفعت، فسمعوا صائحا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا. ويكره تقبيل التابوت الذي يجعل على القبر كما يكره تقبيل القبر واستلامه وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء، فإن هذا كله من البدع التي ارتكبها الناس: * (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) *. (ولو بني) عليه (في مقبرة مسبلة) وهي التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها، (هدم) البناء لأنه يضيق على الناس، ولا فرق بين أن يبني قبة أو بيتا أو مسجدا أو غير ذلك. ومن المسبل كما قال الدميري وغيره: قرافة مصر، فإن ابن عبد الحكم ذكر في تاريخ مصر أن عمرو بن العاص أعطاه المقوقس فيها مالا جزيلا، وذكر أنه وجد في الكتاب الأول أنها تربة الجنة، فكاتب عمر بن الخطاب في ذلك، فكتب إليه: إني لا أعرف تربة الجنة إلا لأجساد المؤمنين فاجعلوها لموتاكم وقد أفتى جماعة من العلماء بهدم ما بني فيها.
تنبيه: ظاهر كلامه أن البناء في المقبرة المسبلة مكروه، ولكن يهدم. فإنه أطلق في البناء وفصل في الهدم بين المسبلة وغيرها، إذ لا يمكن حمل كلامه في الكراهة على التحريم لفساده، لأن التجصيص والكتابة والبناء في غير المسبلة لا حرمة فيه، فيتعين أن يكون كراهة تنزيه. ولكنه صرح في المجموع وغيره بتحريم البناء فيها وهو المعتمد، فلو صرح به هنا كان أولى. فإن قيل: يؤخذ من قوله هدم الحرمة. أجيب بالمنع، فقد قال في الروضة في آخر شروط الصلاة: إن غرس الشجرة في المسجد مكروه، قال: فإن غرست قطعت. وجمع بعضهم بين كلامي المصنف بحمل الكراهة على ما إذا بنى على القبر خاصة بحيث يكون البناء واقعا في حريم القبر، والحرمة على ما إذا بنى على القبر قبة أو بيتا يسكن فيه، والمعتمد الحرمة مطلقا. (ويندب أن يرش القبر بماء) لأنه (ص) فعله بقبر ولده إبراهيم، رواه أبو داود في مراسيله، وتفاؤلا بالرحمة وتبريد المضجع الميت، ولان فيه حفظا للتراب أن يتناثر. قال الأذرعي: الأولى أن يكون طهورا باردا، والظاهر كراهته بالنجس أو تحريمه اه‍. والذي ينبغي الكراهة، وأما التحريم ففي غاية البعد. وخرج بالماء من الورد، فالرش به مكروه كما في زيادة الروضة لأنه إضاعة مال. قال الأسنوي: ولو قيل بتحريمه لم يبعد، وقال السبكي: لا بأس باليسير منه إذا قصد به حضور الملائكة لأنها تحب الرائحة الطيبة، ولعل هذا هو مانع الحرمة من إضاعة المال. ويكره أيضا أن يطلى بالخلوق. (ويوضع عليه حصى) لما رواه الشافعي مرسلا: أنه (ص) وضعه على قبر ابنه إبراهيم وروي أنه رأى على قبره فرجة فأمر بها فسدت وقال: إنها لا تضر ولا تنفع وإن العبد إذا عمل شيئا أحب الله منه أن يتقنه.
ويسن أيضا وضع الجريد الأخضر على القبر، وكذا الريحان ونحوه من الشئ الرطب. ولا يجوز للغير أخذه من على القبر قبل يبسه لأن صاحبه لم يعرض عنه إلا عند يبسه، لزوال نفعه الذي كان فيه وقت رطوبته وهو الاستغفار. (و) أن يوضع (عند رأسه حجر أو خشبة) أو نحو ذلك، لأنه (ص) وضع عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال: أتعلم بها قبر أخي لأدفن إليه من مات من أهلي رواه أبو داود، وعن الماوردي استحباب ذلك عند رجليه أيضا. (و) يندب (جمع الأقارب) للميت (في موضع) واحد من المقبرة لأنه أسهل على الزائر. قال البندنيجي: ويسن أن يقدم الأب
(٣٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532