مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٥٠
حكمة الاعتكاف في العشر المذكور، وهو قوله (لطلب ليلة القدر) فيحييها بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء، فإنها أفضل ليالي السنة، قال تعالى: * (ليلة القدر خير من ألف شهر) * أي خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وفي الصحيحين:
من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وظاهر كلام المصنف انحصارها في العشر الأخير، وهو ما نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى، وعليه الجمهور، وأنها تلزم ليلة بعينها لا تنتقل. وقال المازني وابن خزيمة: إنها منتقلة في ليالي العشر، جمعا بين الأحاديث. قال في الروضة: وهو قوي، وقال في المجموع: إنه الظاهر المختار لكن المذهب الأول. قال المصنف في شرح مسلم: ولا ينال فضلها إلا من أطلعه الله عليها، فلو قامها إنسان ولم يشعر بها لم ينل فضلها.
قال الأذرعي: وكلام المتولي ينازعه حيث قال: يستحب التعبد في كل ليالي العشر حتى يحوز الفضيلة على اليقين اه‍، وهذا أولى، نعم حال من اطلع أكمل إذا قام بوظائفها. وقد نقل في زوائد الروضة عن نصه في القديم أن من شهد العشاء والصبح في جماعة فقد أخذ بحظه منها، وروي عن أبي هريرة مرفوعا: من صلى العشاء الأخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر. ويستحب أن يكثر في ليلتها من قول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، وأن يجتهد في يومها كما يجتهد في ليلتها. وخصت بها هذه الأمة، وهي باقية إلى يوم القيامة، ويسن لمن رآها أن يكتمها. (وميل الشافعي رحمه الله) تعالى (إلى أنها ليلة الحادي) والعشرين (أو الثالث والعشرين) منه، يدل للأول خبر الصحيحين، وللثاني خبر مسلم، وما ذكره المصنف هو نص المختصر، والذي قاله الأكثرون إن ميله إلى أنها ليلة الحادي والعشرين لا غير، وفي القديم أرجاها ليلة إحدى أو ثلاث أو سبع وعشرين، ثم بقية الأوتار، ليلة أشفاع العشر الأواخر. وقال ابن عمر وجماعة: إنها في جميع الشهر، وخصها بعض العلماء بأوتار العشر الأواخر، وبعضهم بأشفاعه. وقال ابن عباس وأبي: هي ليلة سبع وعشرين، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وفيها نحو الثلاثين قولا، والسبب في إبهامها على الناس أن يكثر اجتهادهم في كل السنة ويطلبونها في جميعها. ومن علاماتها أنها طلقة لا حارة ولا باردة، وتطلع الشمس في صبيحتها بيضاء ليس فيها كثير شعاع. فإن قيل: لا فائدة في هذه العلامة لأنها قد انقضت. أجيب بأنه يستحب أن يجتهد في يومها كما تقدم وأنه يبقى يعرفها على ما تقدم عن الشافعي أنها تلزم ليلة واحدة. وأركان الاعتكاف أربعة: مسجد، ولبث، ونية، ومعتكف. وقد شرع في أولها فقال: (وإنما يصح الاعتكاف في المسجد) للاتباع رواه الشيخان، وللاجماع، ولقوله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * إذ ذكر المساجد لا جائز أن يكون لجعلها شرطا في منع مباشرة المعتكف لمنعه منها وإن كان خارج المسجد، ولمنع غيره أيضا منها، فتعين كونها شرطا لصحة الاعتكاف. ولا يفتقر شئ من العبادات إلى مسجد إلا التحية والاعتكاف والطواف، ولا فرق بين سطح المسجد وغيره، ولا يصح في رحبته لأنها منه، ولا يصح فيما وقف جزؤه شائعا مسجدا وإن حرم على الجنب المكث فيه للاحتياط، ولا فيما أرضه مستأجرة ووقف بناؤه مسجدا على القول بصحة الوقف وهو الأصح، والحيلة في الاعتكاف فيه أن يبني فيه مصطبة أو ضفة أو نحو ذلك ويوقفها مسجدا فيصح الاعتكاف فيها كما يصح على سطحه وجدرانه، ولا يغتر بما وقع للزركشي من أنه يصح الاعتكاف فيه وإن لم يبن نحو مصطبة. وقد علم مما تقرر أنه لا يصح وقف المقول مسجدا، ولا يغتر بما وقع في فتاوى بعض المتأخرين من الصحة. (و) المسجد (الجامع) وهو ما تقام فيه الجمعة (أولى) بالاعتكاف فيه من غيره للخروج من خلاف من أوجبه ولكثرة الجماعة فيه، وللاستغناء عن الخروج للجمعة. ويجب الجامع للاعتكاف فيه إن نذر مدة متتابعة فيها يوم الجمعة وكان ممن تلزمه الجمعة ولم يشترط الخروج لها، لأن الخروج لها يقطع التتابع لتقصيره بعدم اعتكافه في الجامع.
ويؤخذ من هذا كما قال الأذرعي أنه لو كانت الجمعة تقام بين أبنية القرية لا في جامع لم يبطل تتابعه بالخروج لها، وكذا لو كانت القرية صغيرة لا تنعقد الجمعة بأهلها فأحدث بها جامع وجماعة بعد نذره واعتكافه، ولو استثنى الخروج لها وكان
(٤٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532