مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٤٦
وسفك دم هذا وانتهك عرض هذا، ويأتي وله صلاة وزكاة وصوم، قال: فيأخذ هذا بكذا إلى أن قال: وهذا بصومه فدل على أنه يؤخذ في المظالم. وهو ينقسم إلى قسمين: قسم لا يتكرر كصوم الدهر، وقسم يتكرر في أسبوع أو سنة أو شهر. وقد شرع في الأول من القسم الثاني فقال: (يسن صوم الاثنين و) صوم (الخميس) لأنه (ص) كان يتحرى صومهما وقال: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم رواه الترمذي وقال:
حديث حسن. والمراد عرضها على الله تعالى، وأما رفع الملائكة لها، فإنه في الليل مرة وفي النهار مرة، ولا ينافي هذا رفعها في شعبان كما في خبر مسند أحمد: أنه (ص) سئل عن إكثار الصوم في شعبان فقال: إنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة وأعمال العام جملة. وقال السهيلي: إن النبي (ص) قال لبلال: لا يفتك صيام الاثنين، فإني ولدت فيه وبعثت فيه وأموت فيه أيضا. وأغرب الحليمي فعد من المكروه اعتياد صوم يوم بعينه كالاثنين والخميس لأن في ذلك تشبيها برمضان. وسمي ما ذكر يوم الاثنين لأنه ثاني الأسبوع، والخميس لأنه خامسه، كذا ذكره المصنف ناقلا له عن أهل اللغة، قال الأسنوي: فيعلم منه أن أول الأسبوع الاحد، ونقله ابن عطية عن الأكثرين، وسيأتي في باب النذر أن أوله السبت، وقال السهيلي: إنه الصواب، وقول العلماء كافة إلا ابن جرير. وجمع الاثنين أثانين، والخميس أخمساء وأخمسة وأخاميس. ثم شرع في الثاني منه، فقال:
(و) صوم يوم (عرفة) وهو تاسع ذي الحجة لغير الحاج لخبر مسلم: صيام يوم عرفة احتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده. وهو أفضل الأيام لخبر مسلم: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه (عبدا) من النار من يوم عرفة. وأما قوله (ص): خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فمحمول على غير يوم عرفة بقرينة ما ذكر. قال الامام: والمكفر الصغائر دون الكبائر. قال صاحب الذخائر: وهذا منه تحكم يحتاج إلى دليل، والحديث عام، وفضل الله واسع لا يحجر. وقال ابن المنذر في قوله (ص): من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. هذا قول عام يرجى أنه يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها. قال الماوردي: وللتكفير تأويلان: أحدهما الغفران، والثاني: العصمة حتى لا يعصي. ويسن أيضا صوم الثمانية أيام قبل يوم عرفة كما صرح به في الروضة ولم يخصه بغير الحاج، فيسن صومها للحاج وغيره. أما الحاج فلا يسن له صوم يوم عرفة، بل يسن له فطره وإن كان قويا للاتباع، رواه الشيخان، وليقوى على الدعاء، فصومه له خلاف الأولى، بل في مكث التنبيه للمصنف أنه مكروه، وفيها كالمجموع أنه يسن صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلا لفقد العلة. هذا كله في غير المسافر والمريض، أما هما فيسن لهما فطره مطلقا كما نص عليه الشافعي في الاملاء. (و) صوم (عاشوراء) وهو عاشر المحرم، لقوله (ص) فيه: أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي قبله. وإنما لم يجب صومه للأخبار الدالة بالامر بصومه لخبر الصحيحين: إن هذا اليوم يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر وحملوا الأخبار الواردة بالامر بصومه على تأكد الاستحباب.
فائدة: الحكمة في كون صوم يوم عرفة بسنتين، وعاشوراء بسنة، أن عرفة يوم محمدي، يعني أن صومه مختص بأمة محمد (ص) وعاشوراء يوم موسوي، ونبينا محمد (ص) أفضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فكان يومه بسنتين. (و) صوم (تاسوعاء) وهو تاسع المحرم، لقوله (ص): لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع فمات قبله، رواه مسلم، وحكمة صوم يوم تاسوعاء مع عاشوراء الاحتياط له لاحتمال الغلط في أول الشهر، ولمخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر، والاحتراز من إفراده بالصوم كما في يوم الجمعة. فإن لم يصم معه تاسوعاء سن أن يصوم معه الحادي عشر، بل نص الشافعي في الام والاملاء على استحباب صوم الثلاثة، وعاشوراء وتاسوعاء ممدودان على المشهور.
ثم شرع في الثالث منه فقال: (و) صوم (أيام) الليالي (البيض) وهو اليوم الثالث عشر وتالياه، للامر بصومها في النسائي وصحيح ابن حبان. والحكمة في ذلك أن الحسنة بعشرة أمثالها فصومها كصوم الشهر، ومن ثم سن صوم ثلاثة من كل
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532