مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٤٠
من أفطر) فيما وجب عليه من رمضان، أو نذر نذره حال قدرته أو قضاه كما صرح به الرافعي في المحرر. (لكبر) لكونه شيخا هو ما تلحقه به مشقة لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * فإن كلمة لا مقدرة: أي لا يطيقونه، أو أن المراد يطيقونه حال الشباب ثم يعجزون عنه بعد الكبر. وروى البخاري أن ابن عباس وعائشة كانا يقرءان وعلى الذين يطوقونه بتشديد الواو مفتوحة، ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه. وقيل: لا تقدير في الآية، بل كانوا مخيرين في أول الاسلام بين الصوم والفدية فنسخ ذلك، فيجب على كل يوم مد، والثاني: المنع، لأنه أفطر لأجل نفسه لعذر فأشبه المسافر والمريض إذا ماتا قبل انقضاء السفر والمرض. وفرق الأول بأن الشيخ لا يتوقع زوال عذره بخلافهما. وفي معنى الكبير المريض الذي لا يرجى برؤه، فلو عبر بقوله بعذر لا يرجى زواله لكان أولى، ولو كان يمكنه الصوم في وقت آخر لبرودته أو قصر أيامه فهو كالذي يرجى برؤه، ذكره القاضي أبو الطيب. وقضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في وجوب الفدية بين الغني والفقير، وفائدته استقرارها في ذمة الفقير، وهو الأصح على ما يقتضيه كلام الروضة وأصلها، وجرى عليه ابن المقري، وقول المجموع: ينبغي أن يكون الأصح هنا عكسه كالفطرة لأنه عاجز حال التكليف بالفدية وليس في مقابلة جناية ونحوها، تبع فيه القاضي. وهو مردود بأن حق الله تعالى المالي إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب يثبت في ذمته وإن لم يكن على وجه البدل إذا كان بسبب منه، وهو هنا كذلك، إذ سببه فطره بخلاف زكاة الفطر. وهل الفدية في حق من ذكر بدل عن الصوم أو واجبة ابتداء؟ وجهان في أصل الروضة، أصحهما في المجموع الثاني، ويظهر أثرهما فيما لو قدر بعد على الصوم وفي انعقاد نذره له، فإذا نذر من عجز لهرم أو نحوه صوما لم يصح نذره لأنه لم يخاطب بالصوم ابتداء بل بالفدية، ولو قدر من ذكر على الصوم بعد الفطر لم يلزمه الصوم قضاء لذلك، وبه فارق نظيره في الحج عن المغصوب إذا قدر عليه، ومن اشتدت مشقة الصوم عليه فهو كمن ذكر، فلو تكلف وصام فقياس ما صححوه عدم الاكتفاء، لكن الأصح لا فدية كما قاله في الكفاية عن البندنيجي.
(وأما الحامل والمرضع) فيجوز لهما الافطار إذا خافتا على أنفسهما أو على الولد، سواء أكان الولد ولد المرضعة أم لا، فتعبيره بالولد أولى من تعبير التنبيه بولديهما. وسواء أكانت مستأجرة أم لا. ويجب الافطار إن خافت هلاك الولد.
وكذا يجب المستأجرة كما صححه في الروضة لتمام العقد وإن لم تخف هلاك الولد وأما القضاء والفدية (فإن أفطرتا خوفا) من حصول ضرر بالصوم، كالضرر الحاصل للمريض. (على نفسهما) والأولى أنفسهما ولو مع الولد، (وجب القضاء بلا فدية) كالمريض. فإن قيل: إذا خافتا على أنفسهما مع ولديهما فهو فطر ارتفق به شخصان، فكان ينبغي الفدية قياسا على ما سيأتي. أجيب بأن الآية وردت في عدم الفدية فيما إذا أفطرتا خوفا على أنفسهما، فلا فرق بين أن يكون الخوف مع غيرهما أولا، وهي قوله تعالى: * (ومن كان مريضا) * إلى آخرها. (أو) خافا (على الولد) وحده، بأن تخاف الحامل إسقاطه، أو المرضع بأن يقل اللبن فيهلك الولد، (لزمتهما) من مالهما مع القضاء (الفدية في الأظهر) وإن كانتا مسافرتين أو مريضتين، لما روى أبو داود والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله تعالى:
* (وعلى الذين يطيقونه فدية) * أنه نسخ حكمه إلا في حقهما حينئذ، والناسخ له قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * والقول بنسخه قول أكثر العلماء. وقال بعضهم: إنه محكم غير منسوخ، بتأويله بما مر في الاحتجاج به.
والثاني: لا تلزمهما كالمسافر والمريض، لأن فطرهما لعذر. والثالث: تجب على المرضع دون الحامل، لأن فطرها لمعنى فيها كالمريض. وعلى الأول تستثنى المتحيرة فلا فدية عليها للشك في أنها حائض أو لا، ذكره في زيادة الروضة والمجموع في باب الحيض. وهذا ظاهر فيما إذا أفطرت ستة عشر يوما فأقل، فإن زادت عليها وجبت الفدية عن الزائد، لأن الحيض لا يزيد على ذلك، نبه على ذلك شيخنا في شرح البهجة وأسقطه من شرح الروض. وفارق لزومها للمستأجرة عدم لزوم دم التمتع للأجير بأن الدم ثم من تتمة الحج الواجب على المستأجر، وهنا الفطر من تتمة إيصال المنافع اللازمة
(٤٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532