مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٢١٨
يسجد شكرا محدثا فتطهر عن قرب سجد وإلا فلا. ولا تستحب القراءة لآية سجدة أو أكثر بقصد السجود، بل تكره القراءة بقصده في الصلاة، ومنع ابن عبد السلام من ذلك وأفتى ببطلان الصلاة، وهو المعتمد. ومحل الخلاف في غير صلاة صبح الجمعة، أما فيها لقراءة سجدة ألم تنزيل فإنها لا تبطل كما قاله البلقيني وأفتى به شيخي، لأن قراءة السجدة فيها مسنونة. ولو قرأ آية سجدة ليسجد في الأوقات المكروهة حرم عليه السجود، وسواء قرأ في أوقات الكراهة أم قبلها، وإن كان في صلاة بطلت صلاته بالسجود كما أفتى به ابن عبد السلام. وفي الروضة والمجموع: لو أراد أن يقرأ آية سجدة أو آيتين فيهما سجدة ليسجد فلم أر فيه نقلا عندنا، وفي كراهته خلاف للسلف. ومقتضى مذهبنا أنه إن كان في غير وقت الكراهة وفي غير الصلاة لم يكره، وإلا ففي كراهته الوجهان فيمن دخل المسجد في وقت الكراهة لا لغرض سوى التحية، وهذا إذا لم يتعلق بالقراءة غرض سوى السجود وإلا فلا كراهة مطلقا قطعا اه‍. ثم شرع في السجدة الثالثة فقال: (وسجدة الشكر لا تدخل الصلاة) لأن سببها ليس له تعلق بالصلاة، فلو سجدها فيها عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته. (وتسن لهجوم) أي حدوث (نعمة) كحدوث ولد أو جاه أو مال أو قدوم غائب أو نصر على عدو (أو اندفاع نقمة) كنجاة من حريق أو غرق، لما روى أبو داود وغيره: أنه (ص) كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدا. وروى أبو داود بإسناد حسن أنه (ص) قال: سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فسجدت شكرا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي فأعطاني ثلث أمتي فسجدت شكرا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي فأعطاني الثلث الآخر، فسجدت شكرا لربي. وخرج بالحدوث الاستمرار كالعافية والاسلام والغنى عن الناس، لأن ذلك يؤدي إلى استغراق العمر في السجود. وقيد في التنبيه والمهذب ونقله المصنف في شرحه عن الشافعي والأصحاب النعمة والنقمة بكونهما ظاهرتين ليخرج الباطنتين كالمعرفة وستر المساوي، وقيدهما في أصل الروضة وفي المحرر بقوله: من حيث لا يحتسب، أي يدري، قال في المهمات: وفيه نظر، وإطلاق الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين أن يتسبب فيه وأن لا، ولهذا لم يذكره في المجموع اه‍. وهذا أوجه، ولهذا أسقطه ابن المقري من أصله. (أو رؤية مبتلي) في بدنه أو غيره للاتباع، رواه البيهقي. وشكر الله على سلامته. (أو) رؤية (عاص) يجهر بمعصيته كما نقله في الكفاية عن الأصحاب، ويفسق بها كما نقله الولي العراقي عن الحاوي، لأن المصيبة في الدين أشد منهما في الدنيا، قال (ص): اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا فعند رؤية الكافر أولى. ولو حضر المبتلي أو العاصي في ظلمة أو عند أعمى أو سمع صوتهما سامع ولم يحضرا، فالمتجه كما قال في المهمات استحبابها أيضا. (ويظهرها) أي السجدة (للعاصي) المتجاهر بمعصيته التي يفسق بها إن لم يخف ضرره وتعبيرا له لعله يتوب، بخلاف من لم يتجاهر بمعصيته أو لم يفسق بها بأن كانت صغيرة ولم يصر عليها فلا يسجد لرؤيته، أو خاف منه ضررا فلا يظهرها له، بل يخفيها كما في المجموع. وفي معنى الفاسق الكافر، وبه صرح الروياني في البحر، بل هو أولى بذلك. (لا للمبتلي) لئلا ينكسر قلبه. نعم إن كان غير معذور كمقطوع في سرقة أظهرها له، قاله القاضي والفوراني وغيرهما، وقيده في المهمات بما إذا لم يعلم توبته، وإلا فيسرها ويظهرها أيضا لحصول نعمة أو اندفاع نقمة كما في المجموع. قال ابن يونس: وعندي أنه لا يظهرها لتجدد ثروة بحضرة فقير لئلا ينكسر قلبه. قال في المهمات: وهو حسن.
فرع: هل يظهرها للفاسق المجاهر المبتلى في بدنه بما هو معذور فيه يحتمل الاظهار لأنه أحق بالزجر والاخفاء لئلا يفهم أنه على الابتلاء فينكسر قلبه؟ ويحتمل أنه يظهر ويبين السبب وهو الفسق، وهذا هو الظاهر، وإن قال الولي العراقي: لم أر فيه نقلا. ولو شاركه في ذلك البلاء أو العصيان فهل يسجد؟ قال الولي العراقي: لم أر من تعرض له، وظاهر إطلاقهم يقتضي السجود، والمعنى يقتضي عدمه، فقد يستثنى حينئذ اه‍. والأولى أن يقال: إن كان ذلك البلاء من غير نوع بلائه أو منه وهو زائد، أو كان ذلك الفسق من غير نوع فسقه أو منه وهو أزيد، سجد وإلا فلا.
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532