مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٢٠
المطبوخ به لم يكره. ويؤخذ من ذلك أن الماء المشمس إذا سخن بالنار لم تزل الكراهة، وهو كذلك. وظاهر كلام الجمهور أنه يكره في الأبرص لزيادة الضرر، وكذا في الميت لأنه محترم. قال البلقيني: وغير الآدمي من الحيوان إن كان البرص يدركه كالخيل أو يتعلق بالآدمي منه ضرر اتجهت الكراهة وإلا فلا. قال الأسنوي: وفي سقي الحيوان منه نظر اه‍.
وينبغي فيه التفصيل الذي قاله البلقيني. قال الزركشي: وغير الماء من المائعات كالماء. قال ابن عبد السيد. وإنما لم يحرم المشمس كالسم لأن ضرره مظنون بخلاف السم. وقيل: لا يكره استعماله، واختاره المصنف في بعض كتبه، وبه قال الأئمة الثلاثة. وقال في شرح المهذب: إنه الصواب، لأن أثر عمر لم يثبت. وقيل: إن شهد عدلان بأنه يورث البرص كره وإلا فلا، واختاره السبكي. والمذهب هو الأول، فقد روى الأثر الدارقطني بإسناد صحيح، وأيضا فقد صح أنه (ص) قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. والأثر وإن لم يثبت فقد حصل به ريب، ويجب استعماله عند فقد غيره، أي عند ضيق الوقت. ولا يتيمم بل يجب شراؤه حيث يجب شراء الماء للطهارة، ويكره تنزيها شديد السخونة أو البرودة في الطهارة لمنعه الاسباغ ويجب استعماله إذا فقد غيره وضاق الوقت كما مر، ويحرم إن خاف منه ضررا، ويكره مياه ثمود وكل ماء مغضوب عليه كماء ديار قوم لوط وهي بركة عظيمة في موضع ديارهم التي خسفت. وماء البئر التي وضع فيها السحر لرسول الله (ص)، فإن الله تعالى مسخ مياهها حتى صار كنقاعة الحناء ومسخ طلع النخيل التي من حولها حتى صار كرؤوس الشياطين. وماء ديار بابل، لا ماء بئر الناقة ولا ماء بحر ولا ماء متغير بما لا بد منه، ولا ماء زمزم لعدم ثبوت نهي فيه، نعم يكره إزالة النجاسة به كما قال الماوردي، قال البلقيني: ماء زمزم أفضل من الكوثر، أي فيكون أفضل المياه، لأن به غسل صدره (ص) ولا يكون يغسل صدره إلا بأفضل المياه، لكن تقدم أن أفضل المياه ما نبع من بين أصابعه (ص).
والمراد بالمشمس المتشمس وإن لم يقصد تشميسه كما حولت العبارة إليه وإن لم يفهم من العبارة. (و) الماء القليل (المستعمل في فرض الطهارة) عن حدث كالغسلة الأولى فيه، (قيل ونفلها) كالغسلة الثانية والثالثة، والغسل المسنون والوضوء المجدد طاهر (غير طهور في الجديد) لأن السلف الصالح كانوا لا يحترزون عن ذلك ولا عما يتقاطر عليهم منه، وفي الصحيحين:
أنه (ص) عاد جابرا في مرض فتوضأ وصب عليه من وضوئه. وكانوا مع قلة مياههم لم يجمعوا المستعمل للاستعمال ثانيا، بل انتقلوا إلى التيمم، ولم يجمعوه للشرب لأنه مستقذر. والقديم أنه طهور لوصف الماء في الآية السابقة بلفظ طهور المقتضي تكرر الطهارة به، كضروب لمن يتكرر منه الضرب. وأجيب بأن فعول يأتي اسما للآلة كسحور لما يتسحر به، فيجوز أن يكون طهورا كذلك، ولو سلم اقتضاؤه التكرار، فالمراد جمعا بين الأدلة ثبوت ذلك لجنس الماء أو في المحل الذي يمر عليه فإنه يطهر كل جز منه. والمراد بالفرض ما لا بد منه أثم الشخص بتركه، كحنفي توضأ بلا نية أم لا كصبي إذ لا بد لصحة صلاتهما من وضوء، ولا أثر لاعتقاد الشافعي أن ماء الحنفي فيما ذكر لم يرفع حدثا بخلاف اقتدائه بحنفي مس فرجه حيث لا يصح اعتبارا باعتقاده، لأن الرابط معتبر في الاقتداء دون الطهارات، ولان الحكم بالاستعمال قد يوجد من غير نية معتبرة كما في إزالة النجاسة بخلاف الاقتداء لا بد فيه من نية معتبرة، ونية الإمام فيما ذكر غير معتبرة في ظن المأموم.
واختلف في علة منع استعمال الماء المستعمل، فقيل وهو الأصح: إنه غير مطلق، كما صححه المصنف في تحقيقه وغيره. وقيل:
مطلق، ولكن منع من استعماله تعبدا كما جزم به الرافعي. وقال المصنف في شرح التنبيه: إنه الصحيح عند الأكثرين، وسيأتي المستعمل في النجاسة في بابها. والأصح أن المستعمل في نقل الطهارة على الجديد طهور لانتفاء العلة، وخرج بنفل الطهارة تجديد الغسل، فالمستعمل فيه طهور قطعا لأنه لا يسن تجديده، ومن المستعمل ماء غسل بدل مسح من رأس أو خف وماء غسل كافرة لتحل لحليلها المسلم، وماء غسل ميتة، وماء غسل مجنونة لتحل لحليلها المسلم. فإن قيل: يدخل في فرض الطهارة الغسلة الأولى من الوضوء المجدد ومن الغسل المسنون، لأنهما طهارتان في كل منهما فرض وسنة فيصدق على المرة الأولى منها أنها فرض الطهارة، وليست محل جزم على الجديد، بل هي من محل الوجهين فيما أدى به عبادة غير مفروضة. أجيب بأن مراده ما قدرته تبعا للشارح، ولو صرح به المصنف كان أولى، وأورد على ضابط المستعمل ماء غسل
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532