مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ١٠٧
فائدة: لو تيمم في موضع يغلب فيه وجود الماء وصلى في آخر يندر فيه أو عكسه، هل العبرة بموضع الصلاة أو التيمم؟ لم أر من صرح بذلك، وقد أفتاني شيخي بالأول، واستدل على ذلك بعبارات كتب من كلام الشيخين وغيرهما يطول الكلام بذكرها، فاستفده فإنها مسألة نفيسة. (ومن تيمم لبرد) في السفر وصلى به، (قضى في الأظهر) لأن البرد وإن لم يكن سببا نادرا فالعجز عما يسخن به الماء وعن ثياب يتدفأ بها نادر لا يدوم إذا وقع. والثاني: لا يقضي، لحديث عمرو بن العاص السابق، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ويوافقه المختار المار عن المصنف لأنه (ص) لم يأمره بالإعادة.
وأجاب الأول بأن القضاء على التراخي، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز، وبأنه يحتمل كونه عالما بوجوب القضاء فلم يحتج لبيان. أما إذا تيمم المقيم للبرد فالمشهور كما قال الرافعي القطع بالوجوب. وقال في المجموع: إن الجمهور قطعوا به في كل الطرق. (أو) تيمم (لمرض يمنع الماء مطلقا) أي في جميع أعضاء الطهارة، (أو) يمنعه (في عضو) من أعضائها، (ولا ساتر) على ذلك العضو من لصوق أو نحوه، (فلا) قضاء عليه، سواء أكان حاضرا أم مسافرا، لأن المرض عذر عام تشق معه الإعادة، وقد قال تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) *. والمراد بالمرض هنا أعم من الحرج وغيره.
(إلا أن يكون بجرحه دم كثير) بحيث لا يعفى عنه ويخاف من غسله محذورا مما مر، فيصلي معه ويقضي لعدم العفو عن الكثير فيما رجحه الرافعي كما سيأتي في شروط الصلاة، لأن العجز عن إزالته بماء مسخن ونحوه نادر لا يدوم. وزاد المصنف لفظة كثير، وقال في الدقائق: لا بد منها، قال الشارح: أي في مراد الرافعي للعفو عن القليل في محله، وما سيأتي له في شروط الصلاة من تشبيه بدم الأجنبي فلا يعفى عنه في الأصح محمول بقرينة التشبيه على المنتقل عن محله.
ورجح المصنف هناك العفو عن القليل والكثير. وقال شيخنا: إنما لم يعف عن الكثير هنا لأن التيمم طهارة ضرورة فلم يغتفر فيه الدم الكثير كما لم يغتفر فيه جواز تأخير الاستنجاء عنه، بخلاف الطهر بالماء. ويمكن أيضا حمل ما هنا على كثير جاوز محله أو حصل بفعله، فلا يخالف ما في شروط الصلاة. على أن بعضهم جعل الأصح عدم العفو أخذا مما صححه في المجموع والتحقيق، ثم من عدم العفو خلافا لما صححه في المنهاج والروضة اه‍. وما حمله عليه الشارح أوجه، وسيأتي تحرير محل العفو عن الكثير في محله إن شاء الله تعالى. واحترز عن اليسير فإنه لا يضر. نعم إن كان على موضع التيمم وكان كشيفا يمنع وصول التراب إلى المحل فإنه يضر، ويجب حينئذ القضاء لا لأجل النجاسة بل لنقصان البدل والمبدل كما سيأتي في الجبيرة إذا كانت في محل التيمم. (وإن كان) بالأعضاء أو بعضها (ساتر) كجبيرة (لم يقض في الأظهر إن وضع) الساتر (على طهر) لأنه أولى من المسح على الخف للضرورة هنا. والثاني: يقضي، لأنه عذر نادر غير دائم.
هذا إذا لم تكن الجبيرة على محل التيمم وإلا وجب القضاء، قال في الروضة: بلا خلاف لنقص البدل والمبدل جميعا، ونقله في المجموع ك الرافعي عن جماعة، ثم قال: وإطلاق الجمهور يقتضي أنه لا فرق اه‍. وما في الروضة أوجه لما ذكر. (فإن وضع) الساتر (على حدث) سواء أكان في أعضاء التيمم أم في غيرها من أعضاء الطهارة، (وجب نزعه) إن أمكن بلا ضرر يبيح التيمم، لأنه مسح على ساتر، فاشترط فيه الوضع على طهر كالخف. وقيل: لا يجب للضرورة، والمراد طهارة ذلك المحل فقط، ولا ينافي ذلك قولهم كالخف، إذ المشبه قد لا يعطي حكم المشبه به من كل وجه، لأن الجبيرة وضعت للضرورة، ويجب استيعابها بالمسح، وإذا نزع إحدى الجبيرتين لا يجب عليه نزع الأخرى بخلاف الخف في ذلك. وقد يوهم تخصيص وجوب النزع بالوضع على حدث أنه لا يجب نزعه إذا وضع على طهر ولا ضرر عليه في نزعه، وليس مرادا بل يجب نزعه أيضا. وإنما يفترق الحال عند تعذر النزع في القضاء وعدمه كما نبه على ذلك بقوله: (فإن تعذر) نزعه ومسح وصلى (قضى على المشهور) لفوات شرط الوضع على طهارة، فانتفى تشبيهه حينئذ بالخف، والثاني: لا يقضي
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532