مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٤٩
والثالث: لا يصح فيهما بل لا بد أن يجمع بينهما، وعلى الأول يندب له الجمع بينهما خروجا من خلاف من أوجبه لتكون نية الرفع للحدث السابق ونية الاستباحة أو نحوها للاحق، وبهذا يندفع ما قيل إنه قد جمع في نيته بين مبطل وغيره.
فإن قيل: نية الاستباحة وحدها تفيد الرفع كنية رفع الحدث، فالغرض يحصل بها وحدها. أجيب بأن الغرض الخروج من الخلاف، وهو إنما يحصل بما يؤدي المعنى مطابقة لا التزاما، وذلك إنما يحصل بجمع النيتين. ويكفيه أيضا نية الوضوء ونحوها مما تقدم كما اعتمده الأسنوي والنسائي وصرح به في الحاوي الصغير. وقال الكمال بن أبي شريف: إنه الحقيق بالاعتماد، وإن خالف في ذلك ابن المقري في إرشاده، لأن الوضوء لا يستلزم رفع الحدث ويصح مع الحدث في الجملة.
تنبيه: حكم نية دائم الحدث فيما يستبيحه من الصلوات حكم نية المتيمم كما ذكره الرافعي هنا وأغفله من الروضة، فإن نوى الفرض استباحه وإلا فلا على المذهب، وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط ذلك في التيمم. لا يشترط في النية الإضافة إلى الله تعالى لكن تستحب كما في الصلاة وغيرها، ولو توضأ الشاك بعد وضوئه في حدثه احتياطا فبان محدثا لم يجزئه للتردد في النية بلا ضرورة، كما لو قضى فائتة الظهر مثلا شاكا في أنها عليه ثم بان أنها عليه لا يكفي. أما إذا لم يتبين حدثه فإنه يجزئه للضرورة، ولو توضأ الشاك وجوبا بأن شك بعد حدثه في وضوئه فتوضأ أجزأه وإن كان مترددا، لأن الأصل بقاء الحدث، بل لو نوى في هذه إن كان محدثا فعن حدثه وإلا فتجديد صح أيضا وإن تذكر، نقله في المجموع عن البغوي وأقره. (ومن نوى) بوضوئه (تبردا) أو شيئا يحصل بدون قصد كتنظف ولو في أثناء وضوئه، (مع نية معتبرة) أي مستحضرا عند نية التبرد أو نحوه نية الوضوء (جاز) أي أجزأه ذلك (على الصحيح) لحصول ذلك من غير نية، كمصل نوى الصلاة ودفع الغريم فإنها تجزئه، لأن اشتغاله عن الغريم لا يفتقر إلى نية. والثاني: يضر، لما في ذلك من التشريك بين قربة وغيرها.
فإن فقد النية المعتبرة كأن نوى التبرد أو نحوه وقد غفل عنها لم يصح غسل ما غسله بنية التبرد ونحوه ويلزمه إعادته دون استئناف الطهارة. قال الزركشي: وهذا الخلاف في الصحة، أما الثواب فالظاهر عدم حصوله. وقد اختار الغزالي فيما إذا شرك في العبادة غيرها من أمر دنيوي اعتبار الباعث على العمل، فإن كان القصد الدنيوي هو الأغلب لم يكن فيه أجر، وإن كان القصد الديني أغلب فله بقدره وإن تساويا تساقطا. واختار ابن عبد السلام أنه لا أجر فيه مطلقا، سواء أتساوى القصدان أم اختلفا. ويبطل بالردة التيمم ونية الوضوء والغسل. ولو نوى قطع الوضوء انقطعت النية فيعيدها للباقي، وإذا بطل وضوءه في أثنائه بحدث أو غيره، قال في المجموع عن الروياني: يحتمل أن يثاب على الماضي كما في الصلاة، أو يقال:
إن بطل باختياره فلا أو بغير اختياره فنعم. ومن أصحابنا من قال: لا ثواب له بحال لأنه يراد لغيره بخلاف الصلاة اه‍.
والأوجه التفصيل في الوضوء والصلاة. (أو) نوى بوضوئه (ما يندب له وضوء كقراءة) لقرآن أو حديث وكدخول مسجد، (فلا) يجوز له ذلك، أي لا يجزئه. (في الأصح) لأنه مباح مع الحدث فلا يتضمن قصده قصد رفع الحدث، فكان كزيارة الوالدين والصديق وعيادة المريض، وكل ذلك لا يصح الوضوء بنيته، والثاني: يصح، لأن مقصوده تحصيل المستحب، وهو لا يحصل بدون رفع الحدث، فكانت نيته متضمنة له. أما ما لا يندب له الوضوء كدخول السوق ولبس الثياب فلا يصح الوضوء بنيته جزما.
فروع: الأول: لو نوى أن يصلي بوضوئه ولا يصلي به لم يصح وضوؤه لتلاعبه وتناقضه، وكذا لو نوى به الصلاة بمكان نجس. الثاني: لو انغرس بعض أعضاء من نوى الطهر بسقطة في ماء أو غسلها فضولي ونيته فيهما عازبة، لم يجزه لانتفاء فعله مع النية. فقولهم لا يشترط فعله محله إذا كان متذكرا للنية بخلاف ما لو ألقاه غيره في نهر مكرها فنوى فيه رفع الحدث صح وضوؤه كما صرح به في الروضة. الثالث: لو نسي لمعة في وضوئه أو غسله فانغسلت في الغسلة الثانية أو الثالثة بنية التنفل أو في إعادة وضوء أو غسل لنسيان له أجزأه، أما في الأولى فلان قضية نيته الأولى كمال غسلها قبل غيرها، وتوهمه الغسل عن غير ما لا يمنع الوقوع عنها كما لو جلس للتشهد الأخير ظانا أنه الأول فإنه يكفي وإن توهمه الأول، وأما في الثانية فلانه أتى بذلك بنية الوجوب بخلاف ما لو انغسلت في تجديد وضوء فإنه لا يجزئه لأنه طهر مستقل بنية لم تتوجه لرفع الحدث أصلا، وبخلاف ما لو توضأ احتياطا فانغسلت فيه فإنه لا يجزئه أيضا لما مر في تعليله. (ويجب قرنها) بسكون الراء
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532