مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٧٨
لئلا ترد عليه القطرة من الخمر مثلا. أجيب بأنه سيذكر في باب الأشربة أن ما أسكر كثيره حرم عليه وحد شاربه، فعلم من ذلك نجاسة القليل كالكثير للتسوية بينهما فيما ذكر. ثم اعلم أن الأعيان جماد وحيوان، فالجماد كله طاهر لأنه خلق لمنافع العباد ولو من بعض الوجوه، قال تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا. وإنما يحصل الانتفاع أو يكمل بالطهارة إلا ما نص الشارع على نجاسته، وهو ما ذكره المصنف فيما مر بقوله: كل مسكر مائع. وكذا الحيوان كله طاهر لما مر، إلا ما استثناه الشارع أيضا، وقد نبه المصنف على ذلك بقوله: (وكلب) ولو معلما، لخبر مسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب وجه الدلالة أن الطهارة إما لحدث أو خبث أو تكرمة، ولا حدث على الاناء ولا تكرمة فتعين طهارة الخبث فثبتت نجاسة فمه، وهو أطيب أجزائه، بل هو أطيب الحيوان نكهة لكثرة ما يلهث فبقيته أولى، وفي الحديث: أنه (ص) دعي إلى دار قوم فأجاب ثم دعي إلى دار أخرى فلم يجب، فقيل له في ذلك فقال:
إن في دار فلان كلبا. قيل له: وإن في دار فلان هرة، فقال: إن الهرة ليست بنجسة رواه الدارقطني والحاكم، فأفهم أن الكلب نجس. وأدخل شيخنا فيما تقدم أو تكرمة لأجل دخول غسل الميت، وقول بعضهم وليست في كلام الأصحاب مع أنه لا يحتاج إليها، لأن غسله من القسم الأول كما يؤخذ من كلامهم، ممنوع، بل قال في المجموع: وإنما يجب غسل الميت تنظيفا وإكراما. (وخنزير) لأنه أسوأ حالا من الكلب لأنه لا يقتنى بحال. ونقض هذا التعليل بالحشرات ونحوها، ولذلك قال المصنف: ليس لنا دليل واضح على نجاسته، لكن ادعى ابن المنذر الاجماع على نجاسته وعورض بمذهب مالك، ورواية عن أبي حنيفة بأنه طاهر، ويرد النقض بأنه مندوب إلى قتله بلا ضرر فيه، ولأنه يمكن الانتفاع به بحمل شئ عليه ولا كذلك الحشرات فيهما، وقال تعالى: * (أو لحم خنزير فإنه رجس) * والمراد جملته، لأن لحمه دخل في عموم الميتة.
(وفرعهما) أي فرع كل منهما مع الآخر أو مع غيره من الحيوانات الطاهرة ولو آدميا، كالمتولد مثلا بين ذئب وكلبة تغليبا للنجاسة ولتولدها منها، والفرع يتبع الأب في النسب، والام في الرق والحرية، وأشرفهما في الدين وإيجاب البدل وتقرير الجزية وأخفهما في عدم وجوب الزكاة وأخسهما في النجاسة وتحريم الذبيحة والمناكحة. (وميتة غير الآدمي والسمك والجراد) وإن لم يسل دمها لحرمة تناولها، قال تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * وتحريم ما ليس بمحترم ولا مستقذر ولا ضرر فيه يدل على نجاسته. والميتة ما زالت حياته لا بذكاة شرعية كذبيحة المجوسي والمحرم بضم الميم، وما ذبح بالعظم، وغير المأكول إذا ذبح، ودخل الجنين فإن ذكاته بذكاة أمه، وصيد لم تدرك ذكاته والبعير الناد والمتردي إذا ماتا بالسهم.
ودخل في نجاسة الميتة جميع أجزائها من عظم وشعر وصوف ووبر وغير ذلك، لأن كلا منها تحله الحياة. ودخل في ذلك ميتة دود نحو خل وتفاح فإنها نجسة، لكن لا تنجسه لعسر الاجتراز عنها ويجوز أكله معه لعسر تمييزه. أما الآدمي فإنه لا ينجس بالموت على الأظهر لقوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * وقضية التكريم أن لا يحكم بنجاسته بالموت وسواء المسلم وغيره. وأما قوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * فالمراد به نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس، لا نجاسة الأبدان. وأما خبر الحاكم: لا تنجسوا موتاكم فإن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا فجرى على الغالب، ولأنه لو تنجس بالموت لكان نجس العين كسائر الميتات، ولو كان كذلك لم يؤمر بغسله كسائر الأعيان النجسة. فإن قيل: ولو كان طاهرا لم يؤمر بغسله كسائر الأعيان الطاهرة. أجيب بأنه عهد غسل الطاهر بدليل المحدث بخلاف نجس العين. القول الثاني: أنه ينجس لأنه طاهر في الحياة غير مأكول فأشبه سائر الميتات. ورد بما تقدم، والخلاف في غير ميتة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق ابن العربي المالكي بهم الشهداء، وأما ميتة السمك والجراد فللاجماع على طهارتهما. ولقوله (ص):
أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال وقوله (ص) في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته والمراد بالسمك كل ما أكل من حيوان البحر وإن لم يسم سمكا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الأطعمة، والجراد اسم جنس واحدته جرادة تطلق على الذكر والأنثى. (و) المستحيل في باطن الحيوان نجس، وهو (دم) ولو تحلب من كبد أو طحال لقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم) * أي الدم المسفوح، لقوله تعالى: * (أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532