مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ١ - الصفحة ٦٥
قصر، (أو عكس) أي مسح سفرا تقصر فيه الصلاة ثم أقام (لم يستوف مدة سفر) تغليبا للحضر، فيقتصر على مدة مقيم في الأولى بقسميها خلافا للرافعي في الشق الثاني منها. ومثل ذلك ما لو مسح إحدى رجليه وهو عاص بسفره، ثم مسح الأخرى بعد توبته فيما يظهر، وكذا في الثانية إن أقام قبل استيفائها، فإن أقام بعدها لم يمسح، ويجزئه ما مضى وإن زاد على يوم وليلة. وعلم من كلامه أن العبرة فيما ذكر بالمسح لا باللبس لأنه أول العبادة، فمن ابتدأ بالمسح في السفر أتم مسح مسافر، سواء ألبس في الحضر وأحدث فيه أم لا، وسواء أسافر بعد خروج الوقت أم لا، وعصيانه إنما هو بالتأخير لا بالسفر الذي به الرخصة، ومن ابتدأه في الحضر ولو إحدى خفيه كما تقدم أتم مسح مقيم. (وشرطه) أي جواز مسح الخف أمران: أحدهما: (أن يلبس بعد كمال طهر) من الحدثين، للحديث السابق، فلو لبسه قبل غسل رجليه وغسلهما فيه لم يجز المسح إلا أن ينزعهما من موضع القدم ثم يدخلهما فيه، ولو أدخل إحداهما بعد غسلها ثم غسل الأخرى وأدخلها لم يجز المسح إلا أن ينزع الأولى من موضع القدم ثم يدخلها فيه، ولو غسلهما في ساق الخف ثم أدخلهما موضع القدم جاز المسح، ولو ابتدأ اللبس بعد غسلهما ثم أحدث قبل وصولهما إلى موضع القدم لم يجز المسح، ولو كان عليه الحدثان فغسل أعضاء الوضوء عنها أو الجنابة وقلنا بالاندراج ولبس الخف قبل غسل باقي بدنه لم يمسح عليه لأنه لبسه قبل كمال الطهر. فإن قيل: لفظة كمال لا حاجة إليها، لأن حقيقة الطهر أن يكون كاملا، ولذلك اعترض الرافعي على الوجيز بأنه لا حاجة إلى قيد التمام لأن من لم يغسل رجليه أو إحداهما ينتظم أن يقال إنه ليس على طهر. أجيب بأن ذلك ذكر تأكيدا لنفي مذهب المزني فيما إذا غسل رجلا وأدخلها الخف ثم الأخرى كذلك، ولاحتمال توهم إرادة البعض. ولا يقال يحترز بذلك عن دائم الحدث فإنه يجوز له المسح كما مر، لأن ضد الكامل الناقص وطهارته ضعيفة لا ناقصة، وحكم المحترز عنه إنما يكون ضد المدعي. وشمل تنكير الطهر التيمم، فالحكم فيه أنه إن كان لاعواز الماء لم يستفد به المسح، بل إذا وجد الماء لزمه نزعه والوضوء الكامل، وإن كان لمرض ونحوه فأحدث ثم تكلف الوضوء ليمسح فكذا، ثم الحدث وقد مر حكمه، لكن الأسنوي تردد في جواز هذا التكليف: هل هو جائز أو لا؟ والذي يظهر كما قاله شيخي أنه إن غلب على ظنه الضرر حرم وإلا فلا، ولو شفي دائم الحدث أو المتيمم لا لفقد الماء لم يمسح لبطلان الطهارة المرتب هو عليها، ولو لبس الخف وهو يدافع الحدث لم يكره كما في المجموع. الأمر الثاني: صلاحية الخف للمسح بثلاثة شروط:
بأن يكون كل منهما (ساترا محل فرضه) وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب لا من الأعلى، فلو رؤي القدم من أعلاه كأن كان واسع الرأس لم يضر عكس ساتر العورة فإنه من الأعلى والجوانب لا من الأسفل، لأن القميص في ستر العورة يتخذ لستر أعلى البدن والخف يتخذ لستر أسفل الرجل. فإن قصر عن محل الفرض أو كان به تخرق في محل الفرض ضر، ولو تخرقت البطانة - بكسر الباء - أو الظهارة - بكسر الظاء - والباقي صفيق لم يضر وإلا ضر، ولو تخرقتا من موضعين غير متحاذيين لم يضر. والمراد بالستر هنا الحيلولة لا ما يمنع الرؤية، فيكفي الشفاف عكس ساتر العورة، لأن القصد هنا منع نفوذ الماء وثم منع الرؤية. وقال في المجموع: إن المعتبر في الخف عسر غسل الرجل بسبب الساتر وقد حصل، والمقصود بستر العورة سترها بحرم عن العيون ولم يحصل. ومن نظائر المسألة: رؤية المبيع من وراء زجاج فإنه لا يكفي لأن المطلوب نفي الغرر وهو لا يحصل بذلك، لأن الشئ من وراء زجاج يرى غالبا على خلاف ما هو عليه. وأن يكون (طاهرا) فلا يصح المسح على خف اتخذ من جلد ميتة قبل الدباغ لعدم إمكان الصلاة فيه. وفائدة المسح وإن لم تنحصر فيها فالقصد الأصلي منه الصلاة وغيرها تبع لها، ولان الخف بدل عن الرجل وهي لا تطهر عن الحدث ما لم تزل نجاستها، فكيف يمسح على البدل وهو نجس العين والمتنجس كالنجس كما في المجموع، خلافا لابن المقري في أنه يصح على الموضع الطاهر. ويستفيد به مس المصحف قبل غسله والصلاة بعده، لأن الصلاة هي المقصود الأصلي من المسح وما عداها من مس المصحف ونحوه كالتابع لها، ولان الخف بدل عن الرجل ولو كانت نجسة لم تطهر عن الحدث مع بقاء النجس عليها كما مر. نعم لو كان على الخف نجاسة معفو عنها ومسح من أعلاه ما لا نجاسة عليه صح مسحه، فإن مسح على النجاسة زاد التلويث ولزمه
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 خطبة الكتاب 2
2 كتاب الطهارة 16
3 باب أسباب الحدث 31
4 فصل في آداب الخلاء وفي الاستنجاء 39
5 باب الوضوء 46
6 باب مسح الخف 63
7 باب الغسل 68
8 باب النجاسة 77
9 باب التيمم 86
10 فصل في بيان أركان التيمم وكيفيته وغير ذلك 96
11 باب الحيض وما يذكر معه من الاستحاضة الخ 108
12 فصل إذا رأت المرأة من الدماء الخ 113
13 كتاب الصلاة 120
14 فصل إنما تجب الصلاة على كل مسلم الخ 130
15 فصل الأذان والإقامة سنة 133
16 فصل استقبال القبلة شرط لصلاة القادر الخ 142
17 باب صفة الصلاة 148
18 باب شروط الصلاة 184
19 فصل تبطل الصلاة بالنطق بحرفين الخ 194
20 باب سجود السهو 204
21 باب تسن سجدات التلاوة 214
22 باب صلاة النفل 219
23 كتاب صلاة الجماعة 229
24 فصل في صفات الأئمة 237
25 فصل يذكر فيه بعض شروط الاقتداء وآدابه 245
26 فصل: شرط القدوة أن ينوي المأموم الخ 252
27 فصل تجب متابعة الامام في أفعال الصلاة الخ 255
28 فصل في قطع القدوة وما تنقطع به وما يتبعهما 259
29 باب كيفية صلاة المسافر 262
30 فصل في شروط القصر وما يذكر معه 266
31 فصل في الجمع بين الصلاتين 271
32 باب صلاة الجمعة 276
33 فصل في الأغسال المسنونة في الجمعة وغيرها وما يذكر معها 290
34 فصل في بيان ما تدرك به الجمعة وما لا تدرك به، وجواز الاستخلاف وعدمه 296
35 باب صلاة الخوف 301
36 فصل فيما يجوز لبسه للمحارب وغيره وما لا يجوز 306
37 باب صلاة العيدين 310
38 فصل في التكبير المرسل والمقيد 314
39 باب صلاة الكسوفين 316
40 باب صلاة الاستسقاء 321
41 باب في حكم تارك الصلاة المفروضة على الأعيان 327
42 كتاب الجنائز 329
43 فصل في تكفين الميت وحمله 336
44 فصل في الصلاة على الميت المسلم غير الشهيد 340
45 فصل في دفن الميت وما يتعلق به 351
46 مسائل منثورة 356
47 كتاب الزكاة باب زكاة الحيوان 368
48 فصل إن اتحد نوع الماشية 374
49 باب زكاة النبات 381
50 باب زكاة النقد 389
51 باب زكاة المعدن والركاز والتجارة 394
52 فصل شرط زكاة التجارة الحول والنصاب الخ 397
53 باب زكاة الفطر 401
54 باب من تلزمه الزكاة وما تجب فيه 408
55 فصل في أداء زكاة المال 413
56 فصل في تعجيل الزكاة وما يذكر معه 415
57 كتاب الصيام 420
58 فصل في أركان الصوم 423
59 فصل شرط الصوم الامساك عن الجماع الخ 427
60 فصل شرط الصوم الاسلام والعقل الخ 432
61 فصل في شروط وجوب صوم رمضان 436
62 فصل في فدية الصوم الواجب 438
63 فصل في موجب كفارة الصوم 442
64 باب صوم التطوع 445
65 كتاب الاعتكاف 449
66 فصل في حكم الاعتكاف المنذور 455
67 كتاب الحج 459
68 باب المواقيت 471
69 باب الإحرام 476
70 فصل في ركن الاحرام وما يطلب للمحرم الخ 478
71 باب دخول مكة 482
72 فصل فيما يطلب في الطواف من واجبات وسنن 485
73 فصل فيما يختم به الطواف وبيان كيفية السعي 493
74 فصل في الوقوف بعرفة وما يذكر معه 495
75 فصل في المبيت بمزدلفة والدفع منها وفيما يذكر معها 499
76 فصل في المبيت بمنى ليالي أيام التشريق 505
77 فصل في بيان أركان الحج والعمرة وكيفية أداء النسكين وما يتعلق بذلك 513
78 باب محرمات الإحرام 518
79 باب الإحصار والفوات 532